البحث عن معنى

00:11 صباحا
قراءة دقيقتين

يحيى زكي
عندما يكتب بعضنا نقداً تجاه مواقع التواصل الاجتماعي، أو يعبّر عن وجهة نظر سلبية في الفنون والآداب والكتب الكثيرة التي تصدر وتتحدث عن كل ما هو فارغ، لا يبني عقلاً ولا يؤثر في وجدان، أو عندما يتحدث أحدهم بمرارة عن تراجع هذا القطاع الحيوى أو ذاك بطريقة مفاجئة، أو حتى سلوكيات نشاهدها يومياً ولا مبرر من ورائها، أو يتناول آخر تصرفات غير منطقية على الساحة السياسية أو الاقتصادية، فإن جميع هؤلاء هم في الحقيقة يبحثون في وقائع تبدو من دون سبب واضح، وربما تكون نتائجها وتأثيراتها أيضا بلا غاية، أي تخلو من «المعنى»، فما الدافع العقلاني وراء الكثير من الهراء التكنولوجي الذي نعيشه منذ سنوات؟ وهل أثمر عن شيء ذي قيمة؟

إننا عندما نبحث أي مسألة على هذا النحو فنحن نلامس فكرة «المعنى» تلك التي تختزن قيمة ما نتوقعه عند التفكير في أسباب ونتائج الظواهر المختلفة.

يبحث الكثيرون في العديد من الكتابات الراهنة، عن المعنى، في السياسة والاقتصاد وفي مجالات أخرى عديدة، حيث تغيب أية أفكار كبرى ينتظم فيها البشر. في السياسة لم تعد هناك تلك التيارات الواضحة في أفكارها ومقولاتها وأطروحاتها وصراعاتها، الحال نفسها بإمكاننا رصدها في الثقافة وفي علم الاجتماع، وإذا استعرنا ذلك المصطلح الذي هيمن على الساحة في حقبة الخمسينات من القرن الماضي، ونعنى به العبث، كنقيض للمعنى والسبب المحرك للأحداث والأفكار والكتابة، فلن نجد الآن من يستخدمه أو حتى يشير إليه، أي أننا لا نستطيع تبرير غياب المعنى بسيادة الشعور بالعبث، ذلك المفهوم الذي ازدهر في أعقاب الحرب العالمية الثانية وروّج له بعض الفلاسفة والأدباء كتعبير عن ضياع البوصلة نتيجة لكابوس الحرب.

إن وجود المعنى على مستوى المجتمعات وحتى الأفراد ضرورة للصحة الفكرية والنفسية بمعناها الشامل. يذهب عالم النفس النمساوي فكتور إميل فرانكل إلى أنه لا بدّ من وجود معنى وراء أي فعل في الحياة، حتى المعاناة نفسها لا بدّ أن تتضمن معنى ما.

لقد كان المعنى دائماً أطروحة بحثية فلسفية، ويؤدي مسار التاريخ إلى معنى ما عند بعض الفلاسفة، أما المستقبل وفي أشد سيناريوهاته تشاؤماً فكانت التحذيرات المتعلقة بما سيأتي تهدف إلى تجنب البشر لأفعال معينة ينتج عنها ما لا تحمد عقباه، وهناك من ذهب إلى استخلاص المعنى من وراء أكثر الأحداث مأساوية، واستقر العديد من المنظرين على قيمة ما يمكن تلمسها من وراء تلك الأحداث، وكثيراً ما قرأنا أن غاية الحرب إقرار السلام، وأن الحروب الطويلة بين البشر دفعت بالتطور التقني خطوات إلى الأمام، وأن الأوبئة أدت إلى طفرة في العلوم الصحية، الأمر الذي انعكس على رفاهية البشر في ما بعد.

هل يغيب المعنى عن الكثير مما نعيشه الآن ؟ أم أننا لا نبذل المجهود الكافي لاكتشافه؟ سؤال يحتاج إلى إحياء تقاليد العصف الذهني الغائبة عن ساحتنا منذ عقود.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"