رشوان توفيق.. «المقتول الحي»

23:57 مساء
قراءة دقيقتين

مارلين سلوم

«إنها قضية خاصة لا شأن لنا بها»، حين نكون مجرد مشاهدين يحكمون على عمل فني، ويبدون آراءهم في أبطاله وفريق عمله، وتميل قلوبهم لهذا النجم، وينتقدون ذاك النجم، ولا يمكننا الذهاب أبعد من ذلك لنحشر أنفسنا في حياة أي فنان وندلي بدلونا في كل صغيرة وكبيرة كأنه من حقنا التحكم فيه؛ إنما هذه الحدود تكون مطّاطة أحياناً، فتفرض الظروف على الجمهور التفاعل مع «القضية الشخصية» لتصبح قضية عامة، الكل يعلّق ويتحدث ويكتب ويقول ما بدا له فيها، تماماً كما حصل حديثاً في أزمة الفنان الكبير رشوان توفيق مع ابنته وزوجها وابنها.

لا يمكن للجمهور أن يقف ساكتاً متفرجاً أمام هذا المشهد المبكي، ولا يمكنه الوقوف في صفوف المتفرجين لأن ما يراه ليس مسرحية، ولا دراما تلفزيونية مؤثرة، إنما واقع مرير تقشعر له الأبدان، وتهتز له الضمائر، ولا يمر علينا مرور الكرام حتى إن كان الأب المجروح ليس مشهوراً، ولا يملك تاريخاً فنياً وسيرة طيبة وسط زملائه وجمهوره.

دائماً نرفض التدخل في شؤون المشاهير وحياة كل منهم الخاصة، إنما كيف يمكن للجمهور وللفنانين السكوت أمام المأساة التي يمر بها رشوان توفيق؟ طغت الحالة الإنسانية على الحالة الفنية، فتفاعل الجميع، وعبّروا عن تعاطفهم وتضامنهم مع رشوان توفيق كأب يواجه جحود ابنته، بعد أن بلغ 88 عاماً، وقد رفعت عليه قضية تتهمه فيها بتبديد أموالها التي هي في الأصل أمواله.

«أنا المقتول الحي»، ما أصعب هذه الجملة التي قالها الفنان علانية، وما أعظم هذه المحنة التي تهتز أمامها الجبال، الأب وابنته يتواجهان في المحاكم، الابنة تتهم والدها بهدر أمواله (التي هي بالأصل أمواله)، فقط طمعاً في الحصول على «شاليه» أراد الفنان تخصيصه لحفيدته (ابنة ابنه المتوفى توفيق)، بينما تجد إحدى ابنتيه أنها وابنها أحق به.

لم يهرب رشوان توفيق من الحقيقة، ولم يختبئ لأنه لم يخطئ، بل واجه الرأي العام بسرد الحقائق، وبأنه كتب كل ما يملك باسم ابنتيه، ولم يترك لنفسه سوى هاتفه النقال، وتوكيل خوّله التصرف بهذا الشاليه وفق ما يمليه عليه ضميره، ووفق رغبته، وهو الأب والجد الذي عاش عمره يكد ويجتهد من أجل بناء أسرة سليمة.

الابنة الصغرى ترفع قضية حجر على أبيها، بينما يقف خلف هذا الأب أبناء وبنات الوسط الفني يقدّمون له كل الدعم المعنوي، ويؤازرونه في محنته، ويكتبون على صفحاتهم على السوشيال ميديا «كلنا أبناؤك». مستحيل أن يعيش عمراً مديداً في الفن ووسط زملاء من جيله ومن جيل أبنائه وأحفاده بسيرة طيبة الكل يشهد لها، ويكون على عكسها في تعامله مع أهل بيته، وهو الرجل الوفي الذي لا يتحدث عن زوجته منذ رحيلها، وعن ارتباطهما لأكثر من ستين عاماً إلا بحب وحرقة واحترام.

[email protected]

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتبة وناقدة سينمائية. حاصلة على إجازة في الإعلام من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. ساهمت في إصدار ملحق "دنيا" لجريدة الاتحاد ومن ثم توليت مسؤولية إصدار ملحق "فضائيات وفنون" لصحيفة الخليج عام 2002 فضلا عن كتابتها النقدية الاجتماعية والثقافية والفنية. وشاركت كعضو لجنة تحكيم في مهرجان العين السينمائي في دورته الأولى عام ٢٠١٩

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"