أهمية اللقاحات

00:27 صباحا
قراءة دقيقتين

د. حسن مدن
اللقاحات المضادة لفيروس «كورونا» معضلة مزدوجة، بوجهين، أو فلنقل للدقة إنهما معضلتان، حتى وإن وجدت بينهما أوجه ترابط، من حيث النتائج الناجمة عنهما على الأقل.
المعضلتان لم تنشآ اليوم مع اكتشاف المتحور الجديد من الفيروس الذي أطلق عليه مسمى «أوميكرون»، وأحيط الإعلان عنه بحالة من الهلع في العالم كله، ليس واضحاً بعد ما إذا كان مبرراً أو مبالغاً فيه، لكن هذا المتحور أعاد هاتين المعضلتين للصدارة، خاصة مع ارتفاع أصوات الساسة والأوساط الطبية في مختلف دول العالم، حاثة من لم يأخذوا اللقاحات بسرعة المبادرة لأخذها، بوصف ذلك الوسيلة الأنجع للحدّ من تفشي الفيروس ومتحوراته، التي لم يثبت بعد أنها عصية على هذه اللقاحات.
لكن الموضوع خرج من دائرة الحثّ والمطالبة الناعمة لغير المتلحقين بأن يكفوا عن رفضهم أو ترددهم، وانتقل إلى اتخاذ إجراءات تحدّ من حركتهم إن هم استمروا على موقفهم، بل إن دولاً أوروبية بادرت فعلاً إلى اتخاذ خطوات لفرض التطعيم الإجباري، وسط جدل قانوني كبير، ومعارضة من الرافضين للقاح تجلت في احتجاجات لم تخلُ من العنف.
مؤخراً أعلنت المستشارة الألمانية ميركل المنتهية ولايتها، والتي ما زالت تدير حكومة تصريف الأعمال ريثما تتشكل الحكومة الجديدة، عن تأييدها لتطبيق التطعيم الإجباري العام ضد «كورونا»، وأنها ستصوت لصالح هذه الإجبارية لو كانت عضواً في البرلمان خلال التصويت المزمع على هذا الإجراء، وتزامن ذلك مع فرض قيود على غير الملقحين ضد «كورونا» في المخالطات، فيما أعرب خليفتها المحتمل، أولاف شولتس، استحسانه لفكرة طرح التطعيم الإجباري للتصويت.
المفارقة أنه في الوقت الذي تتعزز فيه القناعة بفرض اللقاحات إجبارياً في الدول الغربيّة التي تتوفر فيها اللقاحات، بما في ذلك الجرعات التنشيطية منها التي باتت، كما هو واضح، ضرورية، فإن بلداناً كثيرة، مكتظة بالسكان، في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية ما زالت عاجزة عن توفير اللقاحات للكتل السكانية الكبيرة الراغبة في تلقيها، حيث يؤدي عجز هذه البلدان عن توفير اللقاحات بسبب صعوبة أوضاعها الاقتصادية إلى تحوّلها إلى بيئة خصبة لتفشي الوباء، وتناسل النسخ المتحورة منه، بصورة تهدد سلامة شعوبها والشعوب الأخرى، القريب منها والبعيد، لما هو عليه عالم اليوم من ترابط.
إزاء هاتين المعضلتين، معضلة رفض اللقاحات ومعضلة عدم توفرها، نقول إن التفكير في فرض إجبارية التطعيم في البلدان القادرة يبدو منطقياً، لأن ذلك سيقلص قدرات الفيروس على المزيد من التفشي، لكن العالم لن يفلح في تخطي الجائحة إن لم يضع استراتيجية دولية شاملة تؤمن العدد الكافي من التطعيمات لكافة دوله، فقيرها وغنيها، بدون تمييز.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"