الاقتصاد الدائري محرك التنمية المستدامة

20:52 مساء
قراءة 4 دقائق
يوسف أحمد المطوع

يوسف أحمد المطوع*

من المؤسف أن نرى النظام الرأسمالي السائد في العالم يقوم على الاقتصاد الخطي التقليدي، الذي يتمثل باستخراج الموارد الطبيعية ومعالجتها وتحويلها إلى منتجات استهلاكية ومن ثم تحويلها الى نفايات يتم التخلص منها فيما بعد بطريقة عشوائية تشكل ضرراً كبيراً على البيئة. ويمكن اختصار هذا النظام بمعادلة بسيطة هي «خذ اصنع تخلص».

ورغم الآثار الضارة التي خلفها اتباع هذا النهج التقليدي بداية من التغير المناخي مروراً باستنزاف الموارد الطبيعية والتلوث البيئي وتدمير الموائل وانهيار التنوع البيولوجي، إلا أن هناك حقيقة لا يمكن إنكارها، لقد بات العالم اليوم أكثر إدراكاً للمخاطر المتزايدة جراء اتباع هذا النهج، وعادة ما يتم قياس آثاره السلبية المتعددة بناءً على التكاليف الاقتصادية والإنسانية الآخذة في الازدياد عاماً بعد عام. ونتيجة لهذه التكاليف الباهظة، بدأت مختلف حكومات العالم بدفع عجلة التحول نحو ما يسمى بالاقتصاد الدائري.

الاقتصاد الدائري هو نظام اقتصادي يهدف إلى القضاء على الهدر والاستخدام المستمر للموارد من خلال إعادة استخدامها ومشاركتها وإصلاحها وتجديدها وإعادة تصنيعها وتدويرها لإنشاء نظام حلقة مغلقة، ما يقلل استخدام مدخلات الموارد إلى الحد الأدنى ويخفّض انبعاثات النفايات والتلوث وانبعاثات الكربون. يهدف الاقتصاد الدائري إلى الحفاظ على استخدام المنتجات والمعدات والبنية التحتية لفترة أطول، وبالتالي تحسين إنتاجية هذه الموارد.

لذلك، ولتحقيق التحول نحو الاقتصاد الدائري، يتعين استبدال عنصر «التخلص» من الموارد في معادلة الاقتصاد الخطي «خذ اصنع تخلص» بعنصر «إعادة الاستخدام» لتصبح معادلة الاقتصاد الدائري «خذ اصنع أعد الاستخدام».

الجانب المشرق في هذا الموضوع، أن العالم قد بدأ بالفعل بتصحيح مساره والسير في اتجاه الصواب لاسيما مع استثمار المليارات من الدولارات في عمليات البحث والتطوير وابتكار التقنيات التي تساعد في إعادة تدوير النفايات واستخراج موارد مفيدة منها لإعادة استخدامها.

ونظراً لعوائد الاقتصاد الدائري ومزاياه الجمة التي حظيت بتقدير وإشادة القيادة الرشيدة، اعتمد مجلس الوزراء في يناير الماضي سياسة دولة الإمارات للاقتصاد الدائري التي تعد إطاراً شاملاً يحدد اتجاهات الدولة في تحقيق الإدارة المستدامة والاستخدام الفعال للموارد الطبيعية، كما تسمح بتحقيق الكثير من الإنجازات باستخدام الحد الأدنى من الموارد بهدف التخلص من العلاقة الطردية بين النمو الاقتصادي والتدهور البيئي.

ومما لا شك فيه، ستطبق مبادئ هذه السياسة على اقتصاد الدولة ككل، بما في ذلك المشاريع الفردية ما يسهم في خلق مجتمعات مستدامة تعي أهمية تقليل تأثيرها على البيئة وتقلل من بصمتها الكربونية وتسهم في تحقيق أهداف الاقتصاد الدائري لدولة الإمارات.

أما في ما يتعلق بالبنية التحتية الخضراء، فيمكن للتخطيط الحضري الذكي والمستدام أن يضمن تنفيذ المشاريع بأكملها من الصفر وفقاً للأهداف الخضراء، بل ويمكن للمهندسين المعماريين تطبيق التصميم الذكي وبناء المباني في اتجاهات تقلل من تأثير أشعة الشمس ومن درجات الحرارة وتزيد من أماكن الظل.

فمثلاً يمكن استخدام طاقة الخلايا الشمسية الكهروضوئية المثبتة على أسطح المنازل وغيرها من الأماكن لتحل محل مصادر الطاقة التقليدية، وبما أن أعلى معدل استهلاك للطاقة يكون في الليل- نظراً لكثرة استخدام المصابيح والمكيفات عندما يجتمع أفراد العائلة ناهيك عن حاجتهم لشحن سيارتهم الكهربائية- فيمكن اللجوء لحلول تخزين ذكية لتجنب إهدار الطاقة الشمسية المتولدة خلال النهار واستخدامها في الليل بدلاً من مصادر الطاقة التقليدية.

في الوقت الحالي وبفضل التقدم التكنولوجي الحاصل، يمكن إعادة تدوير 100% من النفايات والمياه فوراً وإعادة استغلالها لدعم التحول نحو الاقتصاد الدائري. فعلى سبيل المثال، يمكن لمصنع الغاز الحيوي معالجة النفايات العضوية (نفايات الطعام، أو النفايات الخضراء، أو نفايات الصرف الصحي) وتحويلها إلى مصادر طاقة (كهرباء / أو طاقة حرارية)، في حين يمكن تجفيف المخلفات الصلبة واستخدامها كسماد في الزراعة العمودية والحدائق. كما يمكن لمحطات الصرف الصحي معالجة المياه العادمة لإنتاج مياه صالحة لري المساحات الخضراء، وبالتالي تحقيق إعادة تدوير مياه بنسبة 100٪، وتقليل الانبعاثات الكربونية الناجمة عن صهاريج النضح.

وعلى صعيد عمليات البناء، يمكن تقليل البصمة الكربونية من خلال استخدام مواد ومنتجات صممت وفق أعلى معايير الاستدامة. فمثلاً، يمكن استخدام جدران مسبقة الصنع لتغطية الغلاف الخارجي للأبنية وبالتالي تقليل كمية النفايات الناجمة عن عمليات البناء مقارنةً بعمليات صب الجدران التقليدية في موقع العمل، وتقليل انبعاثات الكربون الكامن في الأبنية، بما في ذلك الانبعاثات الناتجة عن عمليات نقل الاسمنت أو المواد الخام اللازمة في عمليات الصب.

كما يمكن للمهندسين المعماريين استخدام الجدران والأسقف والنوافذ العازلة والعاكسة للأشعة لتقليل أحمال التكييف وتخفيض استهلاك الطاقة الكهربائية وبالتالي تقليل الانبعاثات الكربونية. أما في الساحات والأماكن الخارجية، فيمكن استخدام أرضيات خاصة (ذات مؤشر انعكاس شمسي مرتفع) لتقليل معدل اكتساب الحرارة وضمان الراحة الحرارية.

عند تصميم أي مشروع عقاري جديد، يجب الاخذ بعين الاعتبار تصميمه وفقاً لأعلى معايير الاستدامة لاسيما معايير النقل المستدام. فبالإضافة الى تصميم مسارات آمنة ومضاءة جيداً لركوب الدراجات والمشي، يجب مراعاة تصميم محطات شحن سريع للسيارات الكهربائية في المنازل ومواقف السيارات العامة، تعتمد في آلية عملها على الطاقة الشمسية الكهروضوئية.

يعد الأمن الغذائي من أهم أولويات القيادة الرشيدة في دولة الامارات لاسيما بعد الخلل الذي أحدثته جائحة كورونا في سلاسل التوريد، لذلك تجري حالياً ضخ استثمارات كبيرة في قطاع التكنولوجيا الزراعية لتطوير الزراعة المائية والزراعة العمودية.

* المدير التنفيذي لمدينة الشارقة المستدامة

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"