عادي

«جرثومة المعدة»بكتيريا حلزونية تصيب نصف سكان الأرض

21:45 مساء
قراءة 5 دقائق

تحقيق: راندا جرجس

تُصنف بكتيريا «هيليكوباكتربيلوري» أو المعروفة باسم الجرثومة البوابية الحلزونية ضمن المشكلات المرضية الشائعة، حيث إنها تستهدف حوالي 50% من الأشخاص البالغين على مستوى العالم، وتنتقل هذه الجرثومة بين الأشخاص عن طريق العدوى، وهي تعيش وتتكاثر في الجدران المبطنة للمعدة، وتتميز بالأعراض الساكنة، كما تتشابه علامتها إلى حد كبير مع آفات أخرى تصيب الجهاز الهضمي، ولا يتم اكتشافها في أغلب الحالات إلا عن طريق الصدفة خلال إجراء الفحوص والاختبارات الطبية الدورية، وتسبب في مراحل لاحقة بحدوث مخاطر تزعج المريض أهمها القرحة وتدمير خلايا غشاء المعدة، وفي هذا التحقيق يناقش الخبراء والاختصاصيون أسباب الإصابة وطرق الوقاية والعلاج.

تقول الدكتورة أماني طلعت أخصائية أمراض الجهاز الهضمي إن جرثومة المعدة أو البكتيريا الحلزونية من أكثر الأنواع الشائعة في العالم، وتسكن هذه البكتيريا في الطبقات السطحية من جدار المعدة، ولذلك فإنها الميكروب الوحيد الذي يستطيع الاستيطان بالمعدة نظراً لخصائصها المحددة التي تمكنها من ذلك وأهمها الحمضية الشديدة، وتحدث هذه الإصابة في سكون وبدون أي أعراض أو تأثير على المعدة عند أغلب المصابين، ولم يتوصل الخبراء حتى الآن لأسباب محددة لهذه المشكلة، ولكن تؤكد النظريات أنها تنتشر بين أفراد العائلة الواحدة نتيجة المخالطة القوية.

عوامل الإصابة

تشير د.أماني إلى أن وجود البكتيريا الحلزونية يرتبط عادة بأورام المعدة الخبيثة، ولذلك فإنها تُصنف كواحدة من القليل من الميكروبات، كالبكتيريا والفيروسات المسببة للأورام، ومع ذلك فما زالت نسبة تسببها في حدوث هذه الأورام منخفضة للغاية، وغالباً ما تكون مصحوبة بعوامل أخرى مثل: التاريخ العائلي المرضي، أو أنواع معينة من الالتهابات، أو الإفراط في تناول الكحوليات، ويرافق جرثومة المعدة العديد من الأعراض كالغثيان، عسر الهضم، كثرة التجشؤ، آلام المعدة، رائحة الفم الكريهة، ويمكن أن تؤدي أيضاً إلى مشكلات مرضية خارج الجهاز الهضمي مثل أنيميا نقص الحديد أو نقص عدد الصفائح الدموية.

فئة مستهدفة

توضح د.أماني أن البكتريا الحلزونية يمكن أن تستهدف أي شخص، ولكن يزيد خطر الإصابة لدى كبار السن أو من الذين يتناولون أنواعاً معينة من الأدوية مثل المسكنات والأسبرين وغيرها لفترات طويلة، ومن يعانون أيضاً من تاريخ أورام الجهاز الهضمي في العائلة، أو المصابين مسبقاً بجرثومة المعدة، ولذلك ينبغي التأكد من التخلص منها بعد انتهاء العلاج بفترة كافية، ويتم تشخيص هذه الحالة عن طريق فحوص متعددة تشمل تحليل النفس بالنفخ في جهاز مختص، اختبار البراز، ويراعى التوقف عن مثبطات الأحماض لفترة كافية قبل إجراء هذه الاختبارات التشخيصية، ولا يعتد بتحليل الأجسام المضادة في الدم لأنها لا تعني إصابة حالية.

إصابة الأطفال

يبين الدكتور سانجيف كومار أخصائي الجهاز الهضمي أن السبب المؤكد لانتشار الملوية البوابية غير معروف حتى الآن من قبل الخبراء الصحيين، ولكن يرجح أن هذه العدوى تحدث نتيجة انتقال الجراثيم من شخص لآخر عن طريق الفم، وغالباً ما تنشأ عبر تناول طعام غير نظيف أو الطهو بطريقة غير صحية، أو شرب ماء ملوث بالبكتيريا، أو عدم غسل اليدين، كما يعتبر الصغار الذين يعيشون في مناطق مزدحمة وغير نظيفة هم أكثر الفئات عرضة للإصابة بالملوية البوابية، ولا سيما الأطفال في البلدان النامية.

تأثيرات صحية

يلفت د. سانجيف إلى أن الطفل المصاب بجرثومة المعدة يعاني من أعراض مرضية شديد مثل: الألم البطني الحاد، والتجشؤ المتواصل، مع وجود دم في القيء، وصعوبة في البلع، ويكون لون البراز أسود، ويتم تشخيص هذه الحالة عند الصغار عن طريق الكشف السريري ومجموعة من الإجراءات والاختبارات، تتضمن فحص التنفس، والتنظير الداخلي العلوي للمريء والمعدة والجزء الأول من الأمعاء الدقيقة، وتحتاج بعض الحالات إلى أخذ خزعة عند اللزوم للكشف عن علامات العدوى، كما يمكن فحص عينة من براز الطفل في المختبر للبحث عن وجود بكتيريا غير طبيعية في الجهاز الهضمي تتسبب في الإصابة بالإسهال أو مشكلات أخرى.

مضاعفات ومخاطر

يلفت الدكتور محمد عزام قياسة أخصائي أمراض الجهاز الهضمي والكبد إلى أن جرثومة المعدة الحلزونية تتسبب في العديد من المضاعفات التي تؤثر سلباً في صحة المريض وخاصة مع الإهمال في علاج الحالة، وتشمل المخاطر اعتلال المعدة بشكليه الحاد أو المزمن، ومشكلات هضمية كالتهاب المعدة الحاد والمزمن، وقرحة المعدة أو الإثني عشر، وفقر الدم المزمن الناجم عن نقص الحديد، وعسر الهضم ولمفوما مخاطية المعدة والأورام الخبيثة، وربما تنتشر هذه المؤثرات أيضاً خارج الجهاز الهضمي.

طرق التداوي

يؤكد د.محمد عزام أن استراتيجية خيارات العلاج تعتمد على تحديد معدل الإصابة في اعتلال المعدة بالجرثومة البوابية الحلزونية، حيث يتم تقسيم المصابين بحسب درجة وتأثير الإصابة المنخفضة أو عالية الخطورة، حيث يتم الاعتماد على أربع مؤشرات في تحديد طرق التداوي المناسبة، وهما: السريرية، البيولوجية، الميكروبيومية، التنظيرية الحديثة الرقمية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، العلاجية النوعية.

علاجات فاعلة

يؤكد د.محمد عزام أن الحمية الغذائية النوعية تعتبر من أهم خطوات علاج اعتلال المعدة بالجرثومة البوابية الحلزونية، بالإضافة إلى العلاج الدوائي الذي يتضمن على الأقل نوعين من المضادات الحيوية الفعالة، ومضادات الحموضة ومثبطات مضخة البروتون، وينبغي أن تؤخذ الأدوية تحت إشراف المختص، وتناول الجرعات في الأوقات المحددة وبكميات مناسبة، حيث إن الجرثومة تعيش تحت الطبقة المخاطية ولذلك يصعب الوصول إليها، ويجب الانتباه إلي احتمالية حدوث بعض التأثيرات السلبية من تناول الأدوية بشرط عدم وجود قصة تحسسية سابقة، ويجب المتابعة الدورية مع الطبيب المعالج.

معدل الشفاء

يشير د.محمد عزام إلى أن اعتلال المعدة بالجرثومة البوابية الحلزونية لا يوجد لها لقاح محدد حتي الآن، ويمكن أن تصل نسبة الشفاء إلى أكثر من 80% في معظم الحالات المدروسة محلياً إقليمياً وعالمياً، ولكن لا يوجد أي موانع لعودة الإصابة لنفس الشخص، ما يحتاج إلى تكرار وسائل العلاج المستخدمة مرة أخري، وتجدر الإشارة إلى ضرورة خضوع الزوج أو الزوجة للتداوي بعد التأكد من إصابة الشريك بجرثومة المعدة مع وجود أعراض سريرية أو عدمها.

نسبة التعافي

تنتشر عدوى بكتيريا الملوية البوابية بشكل كبير في العالم، وتُشكل نسبة 80% ‏من الأشخاص في الدول المزدحمة بالسكان، بمقابل 20-30%‏ في الدول المتقدمة، ولا يتحقق الشفاء لحوالي 90% إلى 95% من الحالات بسبب ارتفاع مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية، ووصف بعض الأنواع بلا جدوى، وبالتالي تكون مؤثرة في 60% فقط من المرضى، ولذلك ينصح الخبراء والاختصاصيون بوصف مضادات الحموضة أيضاً بجانب المضادات الحيوية نظراً لفاعليتها العالية في معالجة حموضة المعدة، والقضاء على الالتهابات المقاومة.

وتجدر الإشارة إلى أن تكرار الإصابة لنفس المريض ممكنه بنحو %10 من الأفراد في البلدان النامية، نتيجة خطر العوامل البيئية، وارتفاع معدل انتشار العدوي عن طريق الأغذية الملوثة، والعادات والممارسات الصحية الخاطئة، أما عندما تُعالج الإصابة بصورة صحيحة، فيمكن القضاء عليها ولا تعود للمريض مرة أخرى وخاصة في البلدان المتقدمة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"