«أوميكرون».. عودة إلى الوراء

00:27 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمود حسونة

«أوميكرون» ليس مثل ما سبقوه من متحورات كورونا، فهو الأخطر، حسب تصنيف منظمة الصحة العالمية، لكنها دعت إلى عدم الذعر منه لعدم وجود وفيات بسببه، وأكدت أن لديه «عدداً لم يسبق له مثيل من زيادة التحورات وبعضها يثير القلق بالنسبة للأثر المحتمل على مسار الجائحة»، وهو يعيد المشهد العالمي إلى الوراء لعامين عقب اكتشاف الوباء وحالة العشوائية في القرارات والتصريحات، بعد أن أطل شبح الإغلاق ثانية، حيث اتخذت بعض الدول القرار بالفعل، ودول أخرى تمهد له، وثالثة تدرسه، ورابعة تنتظر حتى تقلد غيرها وتسير في الركب.

قد لا تكون أوجه الاختلاف بين أوميكرون وإخوته، «ألفا» و«بيتا» و«دلتا» وغيرها من السلالات الكورونية، كبيرة، ولكن الخوف ساد حتى يستكشف العلماء ملامح هذا المتحور الغامض، ووقتها قد تتغير التصريحات ومعها يزول الهلع ويعود العالم للتعامل معه وفق بروتوكول الحماية الذي يقرونه.

في بداية كورونا، كانت المحاذير كثيرة، وكان كل من هبّ ودبّ يفتي في أمرها، وأطل على الشاشات أناس كل مؤهلهم أنهم أطباء وكثيرهم مبتدئ ليس له أي خبرات في علم الفيروسات وأمراض الجهاز التنفسي ليكون لهم نصيب في نشر الهلع، ولأن الإنسان بطبعه في حالة جاهزية دائمة لأن يستوطنه إحساس الخوف وفي حالة رغبة أن يتقاسم معه الآخرون هذا الإحساس، فقد سارع الناس إلى «تشيير» كل ما يثير الرعب من هذا الفيروس الغامض الفتاك عبر جميع وسائل وتطبيقات التواصل الاجتماعي.

لا ينكر عاقل أن كورونا قاتل، وبلغة الأرقام خسر ما يزيد على خمسة ملايين و200 ألف إنسان حياتهم جراء الإصابة به، كما عانى آلامه المزعجة 262 مليون إنسان، وبعضهم نجا منه بأمراض مزمنة في الجهاز التنفسي، ولكن في المقابل فإن المتعاملين باستهتار مع هذا الفيروس أعدادهم مليارية، ومنهم المنكرون لوجوده، وهم فئة تعيش بيننا ولكنهم فقدوا المنطق والبصيرة، فضلاً عن الرافضين لتلقي اللقاح والمتظاهرين ضد قرارات الحماية في العديد من الدول، بجانب حزب المتواكلين الذين يرفضون الالتزام بالإجراءات الاحترازية ومنطقهم أن كل شيء يحدث للإنسان مقدر له، وكأنهم يحتكرون الإيمان بالقضاء والقدر، متغافلين أن التوكل يختلف فعلاً وقولاً وحصاداً عن التواكل وما يستتبعه من إهمال وانفلات وفوضى.

كورونا يلاعبنا ونحن عاجزون عن أن نفهم ونستوعب ألاعيبه، ويصارعنا ونحن لم نستوعب الدرس، وقد توهمنا أنه الفيروس الذي سيوحد البشرية وفوجئنا بأنه يزيدها انقساماً. واعتقدنا أنه سيزرع بعض الرحمة في قلوب الأقوياء تجاه الضعفاء، ولكننا فوجئنا ببعض الأقوياء يزدادون قسوة على الضعفاء، واحتكرت بعض الدول الكبرى اللقاحات وألقت للفقيرة الفتات، وكانت النتيجة ظهور أوميكرون ليعيد نشر الرعب، وليؤكد أن العالم لن يكون في أمان من الفيروسات والأوبئة إلا إذا استوعب الأغنياء أن بقاء كورونا على الكوكب تهديد للجميع.

أهل السياسة حاولوا استغلال الفيروس لصالحهم منذ بدايته، واختلقوا صراعات بشأنه في محاولة لإحراز هدف في مرمى الآخر، وأهمها محاولات أمريكا النيل من الصين، واستخدامها ورقة ضغط ضدها، ولا يزال الأمريكيون يصّرون على توظيف الفيروس سياسياً حيث اتهم مسؤولون أمريكيون مؤخراً منظمة الصحة العالمية بمحاباة الصين في تسمية المتحور الجديد ب «أوميكرون»، وعدم تسميته ب «تشي» كما أعلنت سابقاً، حيث ذكرت بأنها ستسمي سلالات كورونا حسب الأبجدية اليونانية.

قد تكون منظمة الصحة العالمية تجاوزت عن مسمى «تشي» محاباة للصين، ولكن ذلك ما كان يستلزم أي تعليقات أمريكية، وخصوصاً أنه يكشف عن ضحالة الفكر الذي يستهدف خلق صراعات لأسباب واهية، في وقت يفترض التعاون في مواجهة الجائحة لا التصارع بشأنها.

لن تخرج البشرية من أزمة كورونا إلا بالتعاون الدولي في مجابهتها، ولن يغادرنا الفيروس إلا إذا أفقنا من غيبوبتنا وأدركنا أن اللقاح «ضرورة لا رفاهية» وأن الالتزام بارتداء الكمامة فيه النجاة لا الهلاك، وأن تباعدنا اليوم قد يكون سبباً لتقاربنا غداً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"