الأسرة أساس البحث العلمي

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

كيف يمكن أن تسري ثقافة البحث العلمي في شرايين المجتمع؟ المسألة بسيطة، صعب تطبيقها. دع الجامعات ومراكز البحوث، عد إلى المنبت. يقضي الطفل ست سنوات مع الأسرة، المدرسة الأولى. إنها بحر من الزمن. لا حديث عن الحضانة في العالم العربي، لأنها تعامل الصغار كما لو كانوا قططاً مغمضة الأعين. في فنلندا وسنغافورة، مناهج الحضانة شيء آخر.
تلك السنوات الست قبل عتبة الابتدائية، هي أساس البناء، لأن دماغ الطفل لم «يتقولب» بعد، ولم تظهر فيه قوالب لرؤية الأشياء والسلوك. طريقة التفكير والرأي والتعبير، وأهمّية اليد في نموّ الذوق والإحساس بالجمال، وألف غيرها، كلها لا تزال تستعد لأن تطل براعمها وأزهارها. الثمار موعدها يطول. أهمّية اليد في تنمية الإحساس بالجمال، تتجسد بالفنون التشكيلية، الموسيقى..
وصلنا إلى المعمعة، لأن هذا الطموح الذي ينتصر على معضلات التربية التقليدية، التي لم تكن تدرك عظمة الدماغ وعشرات مليارات خلاياه العصبية، ومئات مليارات تشابكاتها، يتطلب إيجاد تحوّل في ذهنيّة الأسرة وسلوكها الثقافي التربوي. يجب أن تدرك الأسرة (المأساة أن المناهج العربية تأخرت في هذا الإدراك) أنّ العلوم ليست علوماً فقط، إنها حياة، إنها الكون والحياة. الفيزياء ليست حزمة دروس في علبة كتاب. كل لحظة في البيت، في المطبخ، أمام التلفزيون، في السيارة، في الشارع، فيزياء في فيزياء، رياضيات، كيمياء، أحياء. الشمس، القمر، السحاب، المطر، الشجر. حين يشرب الطفل العصير بالقصبة، فتلك فرصة للسؤال: هل تدري؟ لا تتذرّع بأنك لست أستاذ علوم لتتهرب من مسؤولية تأسيس البحث العلمي في دماغ طفلك وهو غضّ العود. في «جوجل» ستظفر بمليون جواب «لماذا؟»، في أيّ لغة شئت. ثمة أعداد لا تحصى قابلة للتجربة في البيت بأدوات متوافرة في المنزل. لا تتعلّل أيضاً بأنك لست ملمّاً بأحدث نظريات البيداغوجيا (علم التربية) لمعرفة أيّ فيزياء لأيّ سن. «جوجل» سيرشدك. اسأله: أريد تجارب فيزيائية، كيميائية لسن الرابعة مثلًا، ستراه حاتميّاً.
عندما يدخل الطفل المدرسة سيعلم تدريجاً أنه في صدد التعرّف إلى القوانين والمعادلات والنظريات والقواعد، التي تحكم المادة والظاهرات التي هي حياتنا اليومية وبيئتنا المحيطة بنا والممتدة إلى النجوم. في نهاية الابتدائية سيستوعب أن فيزياء الكمّ حاكمة في أدق تفاصيل حياتنا. الألوان مثلاً. كيف ترى الأزرق أو الأحمر؟ لعبة ذرّات، يعني كوانتوم.
لزوم ما يلزم: النتيجة الشعرية: كما لم يقل شاعر النيل: «الأمّ مدرسة إذا أعددتها».. أطلقت بحث العلم في الآفاقِ.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"