مزمار متطرف في فرنسا

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين

مفتاح شعيب

بدأت فرنسا في الانجذاب إلى المعركة الانتخابية الرئاسية المنتظرة في إبريل/ نيسان المقبل. ورغم عدم وجود مؤشرات قوية عن احتمال حدوث مفاجأة، إلا أن الأجواء تميل إلى التسخين في ضوء محاولة اليمين المتطرف استقطاب الأضواء مبكراًٍ مع تحرك المرشح الشعبوي أريك زمور بعقد الاجتماعات الانتخابية، وإطلاق الشعارات الرنانة مثل «المستحيل ليس فرنسياً»، المقتبس عن سياسات نابليون بونابرت، وشتان بين الرجلين والعصرين.

في بلد يقدم نفسه على أنه ديمقراطي ومهد الحكم الجمهوري الحديث، يحق لأي فرنسي أن يترشح لقيادة البلاد، ما دام يستجيب ترشحه للقوانين والضوابط، ويكون بعيداً عن شبهات الفساد والإساءة للدولة والنظام العام. وأريك زمور، الملطخة مسيرته المهنية كصحفي بالعنصرية ومعاداة المهاجرين والاتحاد الأوروبي، لن يسعفه ذلك في تحقيق شيء، ولكنه سيكون ظاهرة انتخابية تخدم القوى التي ينافسها أكثر مما يفيد نفسه. فما يقدمه هذا الرجل، الذي يوصف بأنه «ترامب فرنسا»، لا يتساوق مع الذائقة السياسية الفرنسية التي تميل عادة إلى الاعتدال والانفتاح، وتناوئ نهج الانعزال والتقوقع. وإذا كان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قد فاز بأربع سنوات في البيت الأبيض وخرج منه مغضوباً عليه، فلن يجد من يتشبه به مصيراً أفضل، على الرغم من اختلاف السياق والثقافة والمؤثرات والتقاليد السياسية بين الولايات المتحدة وفرنسا.

يقول زمور، الذي أطلق على حزبه اسم «الاسترداد»، إنه سيعيد إحياء فرنسا وإعادة هيبتها الدولية، و«تغيير مجرى التاريخ»، وكلها شعارات خلابة يمكن أن تستهوي البعض، لكن الأغلبية الساحقة من الفرنسيين واقعية، وفي السياسة تحتكم إلى المنطق أكثر من الانجرار إلى العاطفة، وهذه الأغلبية هي التي ستحدد من يدخل الإليزيه ومن يغادره، لذلك لم يكن لليمين المتطرف أو أقصى اليسار نصيب في كل الانتخابات السابقة. وبالمقاييس السياسية والتجربة لن يكون زمور أقوى من زعيمة اليمين المتطرف المترشحة لانتخابات إبريل المقبل مارين لوبان، التي خسرت بفارق عريض أمام الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون في انتخابات 2017. وفي الانتخابات المقبلة ربما يتكرر السيناريو نفسه في الجولة الثانية، ولكن من الصعب على زمور أن يبلغها، بالنظر إلى محدودية الخزان الانتخابي لليمين المتطرف، الذي سيغرف منه مع المخضرمة لوبان، وربما يستقطب أصواتاً من أحزاب اليمين، لكنه لن يتمكن من إحداث منعرج خطِر في السباق الرئاسي، ولن يكون أكثر من مزمار متطرف لن يتحلق حوله إلا القليل.

الاجتماع الانتخابي الأول الذي عقده زمور في باريس لم ينتهِ بسلام، بل إن أنصاره اعتدوا على متظاهرين معادين للعنصرية، وهذا العنف الانتخابي غير مقبول في فرنسا، ويأتي بنتائج عكسية على مقترفه، وهو ما بدأ يتضح سريعاً مع تراجع شعبية هذا «الزعيم»، الذي تعرض للضرب بسبب عدم انضباط أنصاره، وانزلاقه إلى التصريحات المستفزّة التي تصل بعض الأحيان إلى التشكيك في قوانين الدولة، وفي مشاعر مواطنيه الذين يعتبرون فرنسا بلد الأنوار وستظل كذلك. وفي غياب منافسة قوية وشخصيات ذات مرجعيات وفية للقيم الفرنسية، سيظل ماكرون موضع ثقة الأغلبية التي ستحمي باريس مرة أخرى من السقوط ضحية التطرف.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"