تحديات فكرية راهنة

00:10 صباحا
قراءة دقيقتين

يحيى زكي

تحديات عديدة تنتظر المفكر العربي خلال العقود القليلة المقبلة، يأتي على رأسها تراجع النخبوي إزاء كل ما هو شعبي وجماهيري. لقد كان المفكر في عقود سابقة ينتمي إلى أقلية مسموعة الصوت من جانب شرائح عدة في المجتمع، ربما لم تكن تستوعب ما يقوله تماماً ولكنها كانت تصغي إليه، وتجلّى ذلك واضحاً في تحول عدة مفكرين إلى نجوم عبر الصحافة ووسائل الإعلام. الآن تغيرت المعادلة ولكي يصل المفكر إلى جمهوره القليل مرة أخرى عليه امتلاك القدرة على التعامل مع أدوات يبدو أن طبيعتها تتناقض مع الفكر الرصين نفسه.

تحدٍّ آخر يعترض طريق المفكر الآن وفي المستقبل، ويتمثل في إعلان المركز الغربي عن موت الأفكار الكبرى، ودخوله مرحلة ما بعد الحداثة. ونحن عندما نتحدث عن أزمة الفكر لدينا ننسى ذلك التداول الواسع للأفكار الغربية الموزونة التي كنا نتمثلها في الندوات والنقاشات والمؤتمرات، نختلف حولها ونبحث الطرق المثلى لكي نختار ما يناسبنا منها، ونتصارع حول كيف نوائم بين بعضها ومنظومتها الفكرية الخاصة.

تحدٍّ ثالث نستطيع تلمّسه في غياب النموذج الذي يجب أن نستلهمه في مسألة التقدم، نحن ننسى أن عين النهضوي العربي ظلت لمدة قرن تقريباً منذ منتصف القرن التاسع عشر وحتى عصر الاستقلال في منتصف القرن العشرين، على الغرب الأوروبي تحديداً، أعقب ذلك توزع العالم على معسكرين كبيرين، وانقسام الساحة الفكرية نفسها إلى يمين ويسار، هذا ينادي بتطبيق التجربة الاشتراكية في التنمية، وذاك يحلم بدولة الرفاه. الآن تشتت البوصلة الفكرية، ولم يعد هناك من نموذج بالإمكان السير على دربه، واختفت دعوات صعدت في مراحل سابقة من أجل إيجاد نموذج خاص بنا.

تحدٍّ رابع وهو الإضافات العلمية المتسارعة التي بتنا نقرأ عنها أو نشاهد نتائجها كل يوم. هذا التسارع العلمي لم يكن بهذه الوتيرة في المراحل السابقة. صحيح كانت هناك أزمة دائمة في إنتاج العلوم في العالم العربي، لكن تقدم الآخرين علمياً أصبح يسير بمتوالية هندسية، فضلاً عن انعكاس العلوم فائقة الحداثة والتقنيات التكنولوجية لحظياً على المجتمع، ما يفرز أسئلة جديدة تتعلق بمختلف أوجه النشاط اليومي، تحتاج من المفكر تلك العين التي تلاحق التغيرات في السلوك والمفاهيم ورؤية البشر للعالم، فلم يعد العلم كما تعّودنا في الماضي أسيراً في المختبرات والمعامل، أو يحتاج إلى سنوات طويلة لتلمس نتائجه.

تحديات عديدة تواجه الفكر العربي الآن، وهو في أسوأ حالاته. فحتى القضايا القليلة التي نادراً ما تثار بين الحين والآخر تنتمي إلى الماضي.. إلى مفاهيم ورؤى وأطروحات تجاوزها الزمن، ولكننا لم نحسمها للآسف، ما يضيف تحدياً آخر صعباً أمام المفكر، من خلال سؤال من أين يبدأ؟ من قضايا الآن والمقبل، هو في هذه الحالة كمن يؤسس لبناء جديد من دون أساسات راسخة، أم يعيد تدوير تلك القضايا غير المحسومة والتي يبدو أنها غير قابلة للحل.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"