هناك فرق!

21:03 مساء
قراءة 3 دقائق

تسارع وتيرة الحياة جعل البعض منا يسابق الزمن لإنجاز أكبر قدر ممكن من المهام، وخلال ذلك قد ننسى الهدف الحقيقي من أداء تلك المهام، وقد نغفل أيضاً – نتيجة للسرعة وضغوط الحياة والعمل عن تنفيذ مهامنا بالصورة المثلى.
بالرغم من تلك الوتيرة المتسارعة في الحياة، هناك من الناس من يسعى لتحقيق التوازن بين محاورها المختلفة؛ الشخصي والمهني والروحي والصحي والعلمي وغيرها، بهدف الحفاظ على حياة متزنة، لكن هناك أيضاً من يرتقي بمستوى التوازن هذا مستنداً إلى مجموعة من القيم والمبادئ، تكون له بوصلة ترشده إلى مسار الأمور بوضوح أكثر، ويفهم المعاني الأعمق وراء كل كلمة أو سلوك أو موقف يتعرض له.
القيم ليست مجموعة شعارات ننادي بها بين الحين والآخر، كأن تسمع أحدهم يقول: «قيمنا لا تسمح... وأخلاقنا وكرامتنا لا تسمح...» بينما ترى أفعاله تناقض أقواله وهو يتحدث بما يجهل. القيم هي الحياة، فأولى القيم أن تحفظ الأرواح كلها وكأنها روحك، وأن تحب كل شيء وكأنه جزء منك، وأن تؤثر كل المخلوقات على نفسك وكأنك روحها. القيم أن تنشر الرحمة في كل وقت، القيم أن تدرك أنك نفحة من روح، وأن ما تنفثه يفترض أن ينشر الحياة في كل شيء.
قيم ومبادئ المرء هي أيضاً ما يوجه أداءه في العمل والحياة بشكل عام، فإذا كان هدف المرء الظهور واعتلاء الكرسي، فكذلك سيكون أداؤه، وإذا كان هدفه ضمان الراتب في نهاية كل شهر فسيكون ذلك غاية أدائه، أما إذا كان هدفه رفع راية وطنه وحفظ الأمانة التي أوكلت إليه، فلن يخفى أداؤه على أحد، وسيضرب المثل بقيمه وتفانيه في العمل. تفكّر في كل مثال وستلاحظ الطاقة التي يعمل بها كل من هؤلاء، ونفسياتهم وقيمة إنجازاتهم، وحينها ستلاحظ الفرق.
فهناك فرق بين القائد الحقيقي وقائد بمسمى فقط.. وهناك فرق بين التوجيه وحب التسلط.. وهناك فرق بين الإخلاص في العمل والتخلص من العمل.. وهناك فرق بين الإدارة الفعلية والمزاجية.. وهناك فرق بين حب العمل وحب الظهور.. وهناك فرق بين التفاعل والافتعال.. وهناك فرق بين الاحترام والتملق.. وهناك فرق بين الكم والنوع، بين السعر والقيمة، وبين الهدف الحقيقي للعمل والمصلحة الشخصية.. وهناك فرق بين الرأي الشخصي أو الذوق وسياسة العمل، وبين الصواب والخطأ. فرجاء لا تخلط بينها!
القيم الحقيقية للمرء هي قيم حسية لا نلحظ إلا آثارها، لذا فالإنسان مسؤول عن قيمه وقيمته الداخلية، ومسؤول عن حفظها وصقلها دائماً، فإن لم يحفظها تناثرتْ في الهواء، فأصبح يرى هذا فيحسده، ويرى ذاك فيكرهه، ويؤوّل الأحداث من حوله بسلبية فيخاصم، يصبح المرء حينها مثل الضجيج في هذا الوجود، لا يصدر عنه سوى ذلك الضجيج المزعج نتيجة لعدم وجود قيمة داخلية حقيقية لديه.
نستطيع أن ننجز كل مهامنا اليومية بروية وهدوء، فلا الاستعجال سيسهم في تسريع إنجاز المهام، ولا القلق والغضب سيدلان على أننا أكثر حرصاً من غيرنا على العمل! بل على العكس، سيكون لذلك أثر سلبي في صحتنا وأعصابنا، وفي تعاون الآخرين معنا، كما أن إنجازاتنا ستحمل طاقة سلبية ولن تخرج بالصورة المطلوبة. فلنهدأ، ولنهيئ لأنفسنا بيئة أفضل تجعلنا نكتشف طاقاتنا الاستثنائية التي تفجر إبداعاتنا وتجعلنا أكثر تأثيراً.
في العمل، التعاطف يخلق بيئة رحمة وأمان في التعامل وتبادل الخبرات. الطاقة تكتسب من خلال التعامل مع الآخرين بمبادئ إنسانية ويزداد الإصرار لإنجاز المزيد. مبادئ وقيم العمل يجب أن تتضمن أيضاً المصداقية والوضوح والثقة والدقة، وحب ما نقوم به. كل ذلك له أكبر الأثر في إحداث تغيير جذري للمسيرة المهنية.
فلنتفكر معاً في مدى إدراكنا لقيمنا في الحياة وحجم أثرها في سلوكنا، ولنعمل على تحديد قيمنا وإعادة النظر في مبادئنا فهي المؤثر الأكبر في سلوكنا وحياتنا وبالتالي في تربيتنا لأبنائنا. فحين تتذكر قيمة التعاطف لديك ستكون أكثر فهماً لظروف الناس من حولك وأكثر قدرة على تفهم مشاعرهم، وبالمثل فإن قيمة الصدق تجعلك صادقاً في كل عمل تؤديه، وقيمة الإخلاص تمنحك شعوراً بالرضى عن مخرجات عملك، وقيمة التسامح تجعلك سمحاً مع الآخرين ومتقبلاً لآرائهم، وقيمة الإصرار تجعلك تواجه التحديات والصعاب بكل ثقة وعزيمة.
لنسمو في التفكير ونتنبه، فدائماً، هناك فرق!

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"