أرقام مفزعة من العراق

00:03 صباحا
قراءة 3 دقائق

تقول السياسة إن العراق عمره 100 عام وإنه بدأ الأسبوع الماضي مئويته الثانية، ويقول التاريخ إن العراق ممتد في أعماق الزمن وإن عمره يبلغ آلاف الأعوام، فحسب الاتفاقية البريطانية العراقية 1922، يكون العراق فعلاً بلغ المئة، وحسب الحقائق التاريخية فعلى أرض دجلة والفرات تعاقبت حضارات، ولن ينجح العابثون بالتاريخ في إغفال أنه في هذا المكان كانت دول السومريين والآشوريين والبابليين والأكديين، وفيه عرف سيدنا إبراهيم الله وثار على عبادة قومه للأصنام، وفيه ازدهرت الحضارة والدولة الإسلامية، ومنها خرج المتنبي ليقول كلماته التي ستظل شاهدة على فصاحة اللسان العراقي. 
  المكتبة العربية والمكتبة العالمية زاخرتان بآلاف الكتب التي تتحدث بلغات مختلفة عن تاريخ بلاد ما بين النهرين وعن بغداد والبصرة والكوفة والموصل والنجف وغيرها من المدن العراقية التي صنعت التاريخ وساهمت بشكل فاعل في الحضارة الإنسانية، وتتحدث عن وطن الشعر والأدب والثقافة والفن والإبداع العربي، وعن المعارك التي غيرت الخريطة مرات، وعن الدماء التي ارتوت بها هذه الأرض دفاعاً عن الحق وعن قيم السماء والقيم الإنسانية.
  الأعياد الوطنية للدول ليس الهدف منها إقامة الاحتفالات السياسية والفنية وتنظيم مهرجانات التهاني للقادة والزعماء، ولكن الهدف منها استخلاص العبر من دروس التاريخ وتقييم التجربة والبحث عن حلول للأزمات وكشف الحقائق أمام الشعوب حتى لو كانت مرة ومظلمة، ولا يمنع ذلك تقديم شحنة حماسية للناس حتى تبذل الغالي والنفيس من أجل بقاء وازدهار الأوطان، وحتى تتحصن ضد من يسعون لتدمير الدولة والنيل من كيانها. 
   فرق كبير بين عراق اليوم وعراق التاريخ؛ فالعراق الذي صنع حضارات وكان سبّاقاً في سنّ القوانين وكان أرضاً للأنبياء والصالحين، أصبح اليوم في أمسّ الحاجة للصالحين من أبنائه لكي يستعيد توازنه المفقود، ولكي يقطع الطريق على من يحاولون إشعال نار الفتنة بين أهله ونشر الفوضى في ربوعه، وليلفظ الفاسدين من سياسييه الذين يوالون للخارج ولا يشغلهم سوى التهام خيراته وثرواته وإيذاء أهله. 
عراق اليوم يدفع ثمن خطايا أنظمة حكم ديكتاتورية، وأطماع محيطين به ، وتآمر ساعين لهدمه بالاحتلال وتفكيك أجهزته ومؤسساته الحيوية، وأوهام إرهابيين يتوهمون أنه الأرض التي ينطلقون منها لتأسيس دولة العنف والدم وتشويه الدين وتلطيخ الدنيا، وجشع فاسدين ينتمون إليه ويخونونه لصالح من لا يريدون له بقاءً ولا انتعاشاً ولا تقدماً ولا حياةً. 
   الثمن باهظ، يدفعه العراق منذ الاحتلال الأمريكي في العام 2003، والذي جاء إلى بلاد الرافدين جالباً معه الفوضى والدمار والدم والفقر والفساد والضياع، ومنذ هذا التاريخ وحتى اليوم والعراق على فوهة بركان سياسي وشعبي يثور من حين لآخر لتنطلق منه حمم وغازات تصيب من يأتي في طريقها، ليفقد البعض حياته، ويتحول البعض إلى كائن عاجز. وقد أصدرت مفوضية حقوق الإنسان المستقلة في العراق تقريراً بمناسبة  المئوية تضمن أرقاماً وإحصاءات مفزعة عن حال أهل العراق اليوم، فقد أكد وجود 5 ملايين يتيم يمثلون نحو 5 في المئة من إجمالي الأيتام في العالم، بعد أن قتل الغزو الأمريكي وجماعات الإرهاب والعنف والميليشيات المذهبية وصناع الفوضى أهلهم وتركوهم وحيدين في العراء. 
  وكشف التقرير عن انخراط مليون طفل في سوق العمل بسبب فقر عائليهم، متخلين بذلك عن أبسط حقوق الطفل التي يحصل عليها نظراؤهم في دول العالم، إلى جانب وجود 45 ألف طفل بلا أوراق ثبوتية رسمية نتيجة انتماء آبائهم لتنظيمات إرهابية. كما أشارت المفوضية إلى وجود 4 ملايين ونصف المليون طفل ترزح عوائلهم تحت خط الفقر بعد أن ارتفعت نسبة الفقر إلى 25 في المئة من مجموع السكان، وأن عددٍ المفقودين الذين لا يعرف عنهم ذووهم شيئاً وصل إلى ٨ آلاف مفقود، فضلاً عن نسب التسرب من المدارس والجامعات، وعدد الذين لا يجدون مسكناً مناسباً، والذين يقتلهم المرض لعجزهم عن الحصول على علاج، وغيرها من الظواهر والأرقام التي لن تخلف سوى مزيد من العنف والفوضى والضياع في مجتمع يحلم بالاستقرار منذ 18 عاماً.
لعل هذه الأرقام توقظ سياسيي العراق، وبدلاً من التكالب على المناصب وما يتبعها من مؤامرات طائفية وسياسية، يقررون استعادة العراق الذي تركه لهم أجدادهم والأولون. 
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"