تقارب أممي سوري

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين

حملت نتائج زيارة المبعوث الأممي جير بيدرسون إلى دمشق، قبل أيام، وعشية انعقاد الجولة ال17 من محادثات «أستانا» خلال يومي 21 و22 ديسمبر/كانون الأول الحالي، مؤشرات على حدوث تطورات إيجابية مهمة في ملف الأزمة، لعل أبرزها حدوث تقارب في وجهات النظر بين المبعوث الأممي وممثلي الحكومة السورية.
 هذا التقارب، الذي يأتي عقب خيبة الأمل الأممية من محادثات اللجنة الدستورية، التي انعقدت جولتها الأخيرة في جنيف خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لم يأتِ من فراغ، وإنما يرتبط بسلسلة من التطورات المحلية والإقليمية والدولية. ففي الشأن المحلي، ثمة ما يشي بإمكانية إزالة الكثير من التشنجات والعقبات التي كانت تحول دون حدوث تفاهم أو إحراز أي تقدم جدي في ملف الأزمة، منها ما يتردد عن المساعي التي تبذل لتقريب وجهات النظر بين قوات سوريا الديمقراطية «قسد» والحكومة السورية في ظل المخاطر التي تهدد باجتياح المناطق الكردية، ومنها ما يتعلق بإعادة النظر في الكثير من المواقف والشعارات التي طرحتها المعارضة، ومن ضمنها التراجع عن شعار «إسقاط النظام»، وهو ما يمكن أن يشكل مقاربة لإحداث نوع من التفاهم، خصوصاً على صعيد اللجنة الدستورية، وإعادة صياغة الدستور السوري. 
هذه المؤشرات غير معزولة إطلاقاً عن التطورات الإقليمية التي تتجلي بوضوح في انفتاح عربي واسع على دمشق، بات يمهد لعودة سوريا إلى الحضن العربي، وتفعيل عضويتها في الجامعة العربية، بالتزامن مع تخفيف حدة المواقف الأوروبية والأمريكية تجاه الحكومة السورية.
 فمنذ زيارته السابقة لدمشق، في سبتمبر/أيلول الماضي، أجرى بيدرسون سلسلة لقاءات ومحادثات بدأها في أنقرة مع الائتلاف السوري المعارض، وهيئة التفاوض السورية، ثم مع دول الجوار الإقليمي، والتي أعطت انطباعاً بحدوث أجواء أكثر إيجابية تجاه دمشق، للمرة الأولى منذ اندلاع النزاع في 2011، فقد عقدت واشنطن، مطلع الشهر الحال، اجتماعاً ضم ممثلين من الجامعة العربية والاتحاد الأوروبي لمناقشة الأزمة السورية، وأكد المشاركون دعمهم لوحدة سوريا، وتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم (2254)، وتعهدوا بمساندة المبعوث الأممي في إحراز تقدم نحو حل سياسي، وإشراك الجميع في اللجنة الدستورية. 
 ولم يتردد بيدرسون في السعي لاستثمار هذا الانفتاح في دفع العملية السياسية، مشدداً على أهمية تقارب وجهات النظر بين موسكو وواشنطن، في ظل الحوار والتفاهمات التي حدثت بين الجانبين خلال الشهور الأخيرة. وفي ظل الحاجة الملحة، بالنسبة للجانب الأممي، إلى تجديد التفويض الممنوح عبر مجلس الأمن الدولي، لإدخال المساعدات الإنسانية إلى الشمال السوري.
 وبالعودة إلى زيارته الأخيرة، يبدو أن بيدرسون كان أكثر تفهماً لمواقف دمشق من اللجنة الدستورية، إزاء طبيعة المواقف الخلافية والتوافقية مع بقية الأطراف المُشكلة للجنة، خصوصا إزاء تمسك دمشق برفض أي دستور طائفي، وتجنب أي تدخل خارجي في عمل اللجنة، وأن يكون الدستور جامعاً لكل السوريين، ويحافظ على وحدة وسيادة البلاد، وهو ما من شأنه حلحلة الأمور، ليس على صعيد الدستور فقط، وإنما على صعيد الأزمة السورية بشكل عام.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"