عادي
قصته مأخوذة عن مسلسل أمريكي قصير عرض في 2009

«ذا أنفورجيفبل».. قضايا إنسانية عابرة

23:05 مساء
قراءة 4 دقائق
ساندرا بولوك تنجح بدور روث
روث وكاتي قبل الانفصال 20 عاماً
كاتي مع عائلة مالكولم
التركيز على الملامح
مارلين سلوم
من يتابع سيرة النجمة الأمريكية ساندرا بولوك، يعرف أنها لا تحرص على الظهور المتواصل على الشاشة. تتمهل، تختار، وتشارك في إنتاج أغلبية أعمالها. تطل كل عامين أو ثلاثة أعوام. واليوم تقدم فيلماً درامياً لا شك في أنها تتطلع من خلاله إلى نيل جوائز عالمية.
«ذا أنفورجيفبل» دراما ليست جديدة، بل مأخوذة عن مسلسل أمريكي قصير «ذا أنفورجيفن»، كما هو مذكور في تتر النهاية، لكنها جيدة ومؤثرة يتفاعل معها الجمهور لمضمونها الإنساني بالدرجة الأولى.
«ما لا يغتفر» هي الترجمة الحرفية لعنوان الفيلم، ومنذ البداية تربطه بقصة بطلته روث سلايتر (ساندرا بولوك)، الخارجة للتو من السجن بعد قضاء فترة عقوبتها 20 عاماً، إثر قتلها شرطياً أثناء محاولة إخلاء منزلها الذي كانت تسكنه مع أختها الصغيرة كاثرين ابنة الخمسة أعوام. هذا كل ما نفهمه من قصة روث، وسبب سجنها، فنحسب أن العنوان يرمز إلى نظرة المجتمع للفتاة الخارجة من السجن، وعدم تقبله لها، وعدم مسامحتها على ما فعلته رغم دفعها الثمن بالسجن عشرين عاماً، وخروجها لحسن سلوكها، وخضوعها لإطلاق السراح المشروط، أي أن تبقى تحت المراقبة، وقد عيّنت المحكمة فينسنت كروس (روب مورجن)، لمتابعة أخبارها ومعرفة كل تفاصيل تحركاتها، ومنعها من ارتكاب أي خطأ.
ومع توالي الأحداث، يُدخلنا المؤلفون بيتر كريج وهيلاري سيتز وكورتيناي مايلز في أكثر من قضية، وكل منها يصلح أن يكون هو المجسد الحقيقي لمعنى «ما لا يُغتفر»، مثل الغرور الذي يصيب أبناء رجال الشرطة فيتعاملون مع روث بعنف، ويطاردونها بلقب «قاتلة الشرطي»، وهو اللقب الذي يردده على مسمعها كثيراً فينسنت، كي لا تنساه طالما أن الناس لا ينسونه، و«ما لا يُغتفر» أيضاً النظرة العنصرية بين «الأسود والأبيض» التي ما زالت تعتبر هاجساً لدى البعض مثل ليز إنجرام (فايولا دايفيس)، وزوجها المحامي جون إنجرام (فينسنت دونوفريو)، وتظهر بوضوح في كلامها عن «المرأة البيضاء»، وعن ولديها «السوداوين»، كما تقول.
نعود إلى القصة، وهي كما ذكرنا مأخوذة عن مسلسل أمريكي قصير، عرض عام 2009، وقد شاهدنا مؤخراً مسلسلاً عربياً عنوانه «البريئة»، يبدو أنه هو أيضاً مستوحى من هذا المسلسل، وبدت بطلته، كارمن بصيبص، بنفس ملامح ساندرا بولوك في شخصية روث. هي قصة فتاة توفيت والدتها بعد ولادة طفلتها الثانية كاثرين، والفارق كبير بين روث الكبرى وهذه المولودة الجديدة. تتولى روث تربية كاتي ولا يتحمل الأب العيش من دون زوجته فيقدم على الانتحار. ويأتي رجال الشرطة لإخلاء منزل هذه الأسرة فتواجههم روث بالرفض، ثم يُقتل الشريف ويلان، نعرف تدريجياً كيف ولماذا قُتل.. وحين تخرج روث من السجن تضع أمام عينيها هدفاً واحداً، هو البحث عن شقيقتها كاثي التي تبنّتها أسرة مايكل ورايتشل مالكولم (ريتشارد توماس وليندا إيموند).
نظرة المجتمع
طوال رحلة بحثها عن شقيقتها، ولنحو ساعتين من الوقت، نكتشف المزيد من الحقائق حول هذه القضية وحول نظرة المجتمع لكل مجرم، أو متهم، وغياب الرحمة، أو حتى الرغبة في الاستفسار عما حصل والمسامحة.. المخرجة نورا فينجشيدت ركزت كثيراً على المظهر الخارجي وتفاصيل الشخصيات، خصوصاً روث التي تظهر طوال الوقت بوجه شاحب، وشعر غير مسرّح وملابس شديدة البساطة. علماً بأن المخرجة تعتمد كثيراً على «الفلاش باك»، وتكرر لقطات من ماضي روث وشقيقتها كاثرين، مع تقديم إضافات طفيفة بين الحين والآخر، والاحتفاظ بالجزء الأهم من حقيقة الجريمة، وما حصل في ذلك اليوم حتى النهاية، لمنح الجمهور المزيد من التشويق، وصدمه بمفاجأة غير متوقعة، لكنها تزيد من رصيد البطلة فيزداد الجمهور تعلقاً بها، ودفاعاً عنها.
كاتي (آيزلينج فرانسيوزي) تعاني كوابيس تحرمها النوم بشكل طبيعي، وتعيش سعيدة مع عائلة مالكولم الأم والأب، ولديهما ابنة أخرى إميلي (إيما نيلسون). لا تذكر شيئاً من طفولتها، مشهدين فقط لامرأة لا تعرف من تكون، ولا تتذكر وجهها، لكنها كانت تداعبها وتعلمها العزف على البيانو، والمشهد الثاني وهي محمولة على كتف أحدهم وتبكي وتصرخ خوفاً. وتعرف أن الزوجين مالكولم تبنياها وهي طفلة، ولا تعرف أنهما أخفيا عنها كل الرسائل التي كتبتها لها روث خلال سنوات سجنها، وهو ما تكتشفه روث لاحقاً حين تتمكن من خلال المحامي جون، من مقابلة الزوجين مالكولم. مشهد اللقاء مؤثر ومعبر، خصوصاً حين تغضب روث بسبب إخفاء رسائلها وحقيقة وجودها عن أختها، وصراخها في وجه رايتشل «أنا موجودة»، «لا يحق لك إلغائي».
التعبير البدني
هل تستحق ساندرا بولوك «أوسكار» عن دورها في هذا الفيلم؟ وهل يستحق الفيلم نفسه هذه الجائزة؟ الفيلم يعتمد الصمت أكثر من الكلام، والتعبير البدني أكثر من الحوار، وبولوك قدمت دوراً مميزاً، بالكاد تكلمت، وبالكاد ابتسمت في مشاهد تعد على اليد الواحدة، متجهمة طوال الوقت، ملامحها قاسية، مشيتها وحركاتها البدنية ترمز إلى القسوة التي عاشتها ولم تعرف غيرها منذ ولادة أختها، وزادت الدنيا من قسوتها عليها منذ وقوع الجريمة، وما بعدها. بولوك نالت بالفعل جائزتين من «دائرة نقاد أفلام المرأة»، وهي جمعية لنقاد السينما في الولايات المتحدة الأمريكية، جائزة أفضل بطلة أكشن، وجائزة الشجاعة في التمثيل، ولا شك ستحصل على المزيد من الترشيحات والجوائز أكثر مما سيناله الفيلم عموماً، من إعجاب وجوائز.
أما ما «الذي لا يغتفر»؟ فالفيلم يطرح أكثر من قضية مهمة، لكنه يعرضها بشكل عابر، ويبرّئ ساحة بطلته، أو المجرمة الوحيدة الواضحة والتي يشار إليها بالبنان، ويبتعد عنها كل الناس، بينما كل من يحيط بها وتصادفه بعد خروجها من السجن هو «مجرم» بطريقة غير مباشرة، وجريمته اجتماعية مختلفة؛ ابن الشرطي الذي قتل والذي بدوره يطارد روث ليقتلها ويحاول خطف كاتي، ابنة الشرطي التي تعمل مع روث في مصنع السمك وتنهال على هذه الأخيرة ضرباً وتهددها بالقتل «لأنها قتلت شرطي»، الزوجان مالكولم وجريمتهما إخفاء حقيقة وجود أخت لكاتي وحجب رسائلها عنها طوال هذه السنين، عدم تقبل المجتمع لمن قضى عقوبته في السجن ويحاول بدء حياته من جديد، وعدم تمكنه بالتالي من العيش بسلام وإيجاد وظيفة جيدة..
[email protected]
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"