التراث الإماراتي والمجتمع الخليجي

00:41 صباحا
قراءة 3 دقائق

علي الأحمد *

ولد جابر جاسم المريخي في أبوظبي ودرس مرحلة الابتدائية والمتوسطة في قطر في منطقة دخان، وفي تلك الفترة وهو في الحادية عشرة من عمره، أبهر جابر جاسم الجميع بغنائه الرائع على خشبة مسرح الكشافة، عندما قدّم «وين عا رام الله» الأغنية الفلسطينية المشهورة.
عندما عاد إلى أبوظبي ابتعث من قبل وزارة الإعلام للدراسة في المعهد العالي للموسيقى العربية في القاهرة، وهناك وجد نفسه أمام عالم جديد، استمع إلى تجارب الفنانين والمطربين على الساحة مثل عبد الحليم حافظ، وفريد الأطرش، ومحمد عبد الوهاب، وغنّى أغانيهم في جلساته الخاصة، لكن شوقه كان يجذبه إلى ألحان أهله وأرضه، وتفكيره كان منصّباً على تقديم هذا الفن الزاخر بكثير من الألحان الجميلة.
ربما أكثر ما يميز أغاني جابر جاسم هو التنوع، غنّى القصيدة النبطية والفصحى، وشارك في معظم احتفالات الوطن الرسمية والشعبية، وسجل مجموعة من أغانيه في القاهرة واستخدم آلات عزف وتوزيع موسيقي حديثة ودمجها مع قصائد من الشعر المحلي، وأسهم بذلك في نشر مفردات وعبارات إماراتية في المجتمع الخليجي.
وصل جابر جاسم إلى الجمهور الخليجي عبر دورة كأس الخليج الثالثة سنة 1974 في الكويت، حيث قدم أغنيتين من أشهر أغانيه «غزيل فله» للشاعر عتيج الظاهري، و«سيدتي يا سيد ساداتي» من كلمات الشاعر أحمد الكندي.
الأغاني الوطنية كانت لها مساحة شاسعة من فن جابر، وأغنيته الأشهر التي مازالت ترددها الأجيال الإماراتية بمختلف فئاتها العمرية هي:
«يا بلادي يا بلادي.. يا موطن أجدادي
دومي وعزك عزنا.. يا بلادي يا بلادي».
بساطة كلماتها وسلاسة لحنها وصوت جابر، كل ذلك جعلها محفورة في الذاكرة الإماراتية.
وهناك لون آخر من الأغاني الوطنية باللغة الفصحى والقصيدة العمودية، فقد غنى جابر «للإمارات أغني» من تأليف الشاعر حبيب الصايغ.
 نرى كذلك أن جزءاً مهماً من مسيرة جابر الفنية ارتبط بقصائد الشاعر الكبير سعيد بن عتيج الهاملي، الذي احتفلت دولة الإمارات بمئويته قبل سنتين. ويقول الدكتور سلطان العميمي الباحث في التراث الإماراتي: «إن هناك أكثر من سبب للاحتفاء بسعيد بن عتيج، منها إعجاب المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، بأشعاره، وشجع الفنانين مثل جابر جاسم على غناء أشعار ابن عتيج لتعدد القيم المجتمعية التي يضمها شعره».
كما غنى جابر جاسم من أشعار المغفور له الأب المؤسس، طيب الله ثراه، «صافني يا صخيّف الخد.. يا حِسين اللون والهايه».
القصائد المغنّاة كانت تحكي عن حياة أهل البحر والبر وتراثهم، نسمعه يغني عن بيئة أهل البحر في أغنية: «صاح بزجر لمنادي يوم السفن بتشل»، ويغني لأهل البر: «شدوا العربان بالكل.. واتركوا ذا الروح ولهانه». 
ومن أغاني الراحل التي لاقت شهرة واسعة «نسيتونا حبايبنا وسبتونا وشغلتوا البال»، من كلمات الشاعر سالم سيف الخالدي، وأغنية «ونّاس يا صوت المحبين ونّاس»، من كلمات الشاعر محمد الجراح.
كان جابر جاسم يختار القصيدة المعبرة عن أدق المشاعر، فتأتي بشكل تلقائي وجميل، مثل قصيدة الشاعر خلفان بن يدعوه «واحسرتي ضاق الفظا بي»، من خلال القصائد النبطية تُرسل الحِكم وتتجلى قيم المجتمع، وعندما تجتمع الأركان الثلاثة من كلمة ولحن وصوت عذب تصبح الأغنية أسرع وسيلة لانتشار الموروث الشعبي وانتقاله من جيل إلى آخر.
* دبلوماسي إماراتي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دبلوماسي إماراتي وسفير سابق في ألمانيا وفرنسا

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"