السياسات الفجّة المحكومة بالسقوط

00:06 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. نسيم الخوري

تتغيرالأحاديث والمعالم الفكرية بين الزيارة العلمية والأخرى في فهمنا لمقاربات عواصم الغرب للإسلام والمسلمين. هناك حيرة، خصوصاً لدى الاحتكاك بالشباب الباحثين وأساتذة الجامعات. يقوى الخوف؟ نعم. وتتكاثر الأسئلة بحثاً عن تلك الفروق والآراء المتنوعة في النظرة إلى المسلمين كما استنتج. لا تنتهي الأسئلة مثلاً حول إسلامية تركيا الفجّة، وإسلاميات العرب المعتدلة، ومسلمي المجابهة الإيرانية، ومسلمي أفغانستان، ومسلمي أوروبا على، تنوعهم وحضنهم ورفضهم، كأن فروقاً مقلقة هائلة بين النسخ المتعددة للإسلام في عقل الغرب. 
 لنقل إن وسادة الغرب والعالم مسكونة بأحوال المسلمين المتعددة تبرز في مقولات وأحاديث مختلطة في النظرة إلى المسلمين. ليس المقصود شؤون الدين والدنيا بالمعنى الفكري والتحليلي الممدود في أحرام الجامعات أو الحلقات والأنشطة اليوميّة والنصوص التي تكتسي الثقافة الجديدة المدموغة بالإسلام، بل بالتوسّع الملموس إلى درجة صارت العناصر الإثنية والدينية واللغوية والتاريخية والمؤسسية والعنصرية والنبذ المرتجل فاقعة تحت عنوان عام هو «الإسلاموفوبيا»، كلمة العصر. 
 وتكاد تركيا تشغل مقدّمة هذا الخوف الأوروبي، وأمكنته في الإيديولوجيات السياسية الأوروبية كما في العقل الأوروبي كعنصر أساسي يهدّد مستقبل هويات الدول والشعوب والمهاجرين، وكيفية هضمهم أو التعامل والتخالط المستمرّ معهم. إنّها ثقافة البحث المستعصي عن تنقية أوروبا من الطغيان التركي الجاهز باسم جحافل المسلمين الملتصقين بالباب التركي تأهّباً نحو حشو أوروبا بالمهاجرين وفتح الأبواب لأسلمتها، لكنها أفكار وسياسات تُوقظ هتلر وموسوليني وستالين، وما شابه في الأحاديث.
 ولن تنصاع أوروبا الموحدة القلقة باختلافاتها الكثيرة ولو بقيت تركيا مصلوبة فوق عتبة ضمها لأوروبا إلى الأبد. الجديد أن هناك في المقابل طراوة وقبولاً لطيفاً للطيف الإسلامي اللافت من الجزيرة العربيّة والخليج، بحلله وفخامته وكنوزه التي تدمغ الشرق بألوان الغرب.
 تفرز هذه الأجواء مجتمعة صعود الفكر والمناقشات الدينية المسيحية الإسلامية الملحوظ، لا المقاربات الرزينة في استنباط أصول الحكم المعاصر ومستقبله، بعدما طغى على الفكر البشري انبهار الكثير من مفكّري الشرق الإسلامي وطلابه من حيث مسألة هجران الغرب وابتعاده عن الأديان منذ الثورة الفرنسية العلمانية، مروراً بالبلشيفية الإلحادية، وصولاً إلى الثورات الملوّنة التي استلهمت مختلف الألوان والأشكال في تحريك الشعوب وتشريدها.
 وهنا ملاحظة: ليس اختيار ألوان الثورات مسائل عشوائية مزاجية، بل استراتيجيات مدروسة تنظر إلى الشعوب والمجموعات البشرية في سلوكها، تماماً كما ننظر نحن إلى طفل صغير لا تغريه سوى الهدايا والأشياء المزركشة والملوّنة بشكل فاقع وبأشكال غريبة عجيبة وكبيرة الحجم.
 لا أقول إن هناك أكثر من إسلام مقيم في عين أوروبا، بقدر ما يمكن للباحث أن يستشف أكثر من نظرة سياسيّة واجتماعية متباينة معقدة يمكن فرزها بين تلك البلدان المتخالطة من أقصى الاعتدال إلى أقصى التعصب.
 يمكنني المجازفة بالقول إن فهم أوروبا للإسلام يختلف كثيراً عن الفهم الأمريكي، وأكثر من ذلك، فقد لحقت أمريكا بأوروبا نحو هذا الفهم والعكس بالعكس، لكنه لم يتضح نهائياً، خصوصاً أنّ السياسات مشحونة بالتقارب وحلّ معضلات الصراع التاريخي. ولم تعد أمريكا تروّج للفكرة المرتجلة بتوكيل الإسلامية لتركيا العثمانية، أو المستيقظة إلى جذورها الإسلامية، لكنّها الجهة الخطيرة المتقلبة في أكثر من اتجاه وريح. ومن ينتظر الانتخابات القادمة هناك يتيقن من تحولات مستقبلها.
 إسلامية تركيا المتجددة  كانت وما زالت تستند إلى خبرة قديمة لم تعد تعني قطّ، وجدان العرب والمسلمين بالنظر إليها مرجعية متشاوفة تتغذى من ضرع 415 سنة تقريباً أسقطتها مريضة في فراشها في أعقاب الحرب العالمية. 
 لا يعيد التاريخ نفسه أيّها الأباطرة المتجددون، ولم يعد لكم في أوروبا، وربّما في أمريكا، وحتى روسيا والعرب، ما يؤهلكم لأن تقرعوا الأبواب سواء، عبر ادعاء البعث لعلمانية، أو تصفية لديكتاتورية بادعاء ديمقراطية متحولة، أو نهضة المرأة. 
 ولا ننسى أن حبل العقد قد ضاعف من تشنج الولايات المتحدة من ايران، ما ضاعف، ويضاعف ما يعانيه الباحث المتقاعد مثلي المتنقل بين مدن الشرق والغرب، والمستقبل مفتوح بحثاً عن الجواب المعقّد في الإسلام والأديان.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه في العلوم الإنسانية، ودكتوراه في الإعلام السياسي ( جامعة السوربون) .. أستاذ العلوم السياسية والإعلامية في المعهد العالي للدكتوراه في الجامعة اللبنانية ومدير سابق لكلية الإعلام فيها.. له 27 مؤلفاً وعشرات الدراسات والمحاضرات..

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"