عادي

اضطراب قلق الانفصال يؤدي إلى نوبات هلع شديدة

21:04 مساء
قراءة 5 دقائق

يرتبط الطفل بأمه منذ لحظة الميلاد، وبمرور الوقت فإن هذا الارتباط يمتد للأب ثم للأشقاء والجدود والأقارب والأصدقاء، والمنزل الذي نشأ فيه والمكان والحي الذي ترعرع به.

يصاب كثير من الرضع والأطفال في مراحلهم العمرية الأولى بما يعرف بقلق الانفصال، وذلك لأنهم بدأوا بالتأقلم مع محيطهم.

يعد هذا النوع من القلق مرحلة نمو طبيعية، ابتداء من أشهر الطفولة المبكرة وحتى سن الثانية، إلا أن معظم الأطفال يتغلبون عليه ببلوغهم عمر الثلاث سنوات تقريباً.

يعاني بعض الأطفال ما يعرف باضطراب قلق الانفصال، وهو حالة نفسية يعانيها الصغير المصاب بها جراء القلق المفرط من الانفصال عن المنزل، أو عن الأشخاص الذين تربطهم به علاقة عاطفية قوية، مثل الوالدين أو الأجداد أو الأشقاء.

عرفته جمعية علم النفس الأمريكية بأنه المبالغة المفرطة في إظهار الخوف والضيق عند مواجهة حالات الانفصال عن العائلة أو شخص مقرب.

يصنف القلق المقصود هنا بأنه قلق غير اعتيادي في هذه المرحلة العمرية من النمو، وتتراوح شدة الأعراض بين عدم الارتياح الذي يسبق الانفصال والقلق التام من الانفصال.

الأكثر انتشاراً

تعد اضطرابات القلق نوعاً من الأمراض النفسية التي تؤثر في قطاع كبير من الصغار يصل لحوالي ربع عدد الأطفال في جميع أنحاء العالم، كما أنه الأكثر شيوعاً بين الشباب.

يمثل اضطراب قلق الانفصال نسبة كبيرة من الحالات المشخصة، والتي من الممكن أن تصل نسبة الإصابة به إلى نصف الحالات المدونة في سجلات المصحات العقلية.

يمكن أن تتطور إصابة أكثر من 4% من الأطفال المصابين بهذا الاضطراب إلى مرحلة المرض السريري، وذلك بحسب عدد من الأبحاث.

ثلث الحالات

تستمر معاناة حوالي ثلث هذه الحالات إلى مرحلة البلوغ إن لم تعالج، وتستمر الأبحاث في اكتشاف هل الميل المبكر للإصابة باضطراب قلق الانفصال عامل خطر لتطور الاضطرابات العقلية خلال فترة المراهقة والبلوغ أم لا؟ وجدت العديد من الدراسات أن معدلات الإصابة باضطراب قلق الانفصال أكبر عند الفتيات مقارنة بالفتيان، وأن غياب الوالدين ربما كان وراء زيادة احتمال الإصابة بهذا النوع من الاضطراب عند الفتيات.

ضغوط الحياة

يحدث اضطراب قلق الانفصال أحياناً نتيجة ضغوط الحياة، التي تؤدي إلى أن ينفصل الطفل عن الشخص العزيز أو المقرب له، كأحد الوالدين أو الأشقاء، ومن الممكن أن تلعب الوراثة دوراً في تطوير هذا الاضطراب.

تعد أبرز عوامل الخطر ضغوط الحياة أو الخسارة التي تتسبب في الانفصال، كأن يمرض أو يتوفى أحد الأحباء، أو يفقد الطفل حيواناً أليفاً محبوباً لديه، أو عند طلاق الوالدين، أو الانتقال إلى المدرسة.

ينتقل هذا الاضطراب في بعض الحالات بالوراثة، وذلك إذا عاناه أحد الوالدين، كما يمكن أن يزيد خطر الإصابة به عند التعرض لإحدى الكوارث التي يترتب عليها الانفصال.

قلق مفرط

يعاني الطفل المصاب باضطراب قلق الانفصال نوبات هلع متكررة وشعوراً مفاجئاً بالقلق الشديد والخوف، وذلك عندما يبتعد عن والديه أو أشقائه، وفي بعض الأحيان بمجرد الابتعاد عن المنزل.

يصاب بالقلق المستمر والمفرط بشأن فقدان أحد الوالدين، أو الأحبة بسبب مرض أو كارثة، كما أن القلق يمتد إلى حدوث شيء سيئ له كأن يتوه أو يُخطف، وهو ما يترتب عليه انفصاله عن والديه.

يؤدي هذا الأمر إلى أن الطفل يرفض الابتعاد عن المنزل، كما أنه لا يرغب في البقاء وحيداً، ودون وجود أمه أو أبيه أو أحد أشقائه

يشكو من كوابيس متكررة تتعلق بالانفصال، وتتكرر شكواه من الصداع وآلام المعدة أو غيرها من الأعراض نتيجة توقع الانفصال عن أحد الوالدين.

يمكن أن تصاحب حالات اضطراب قلق الانفصال التي لا تخضع للعلاج بعض المضاعفات، كاضطراب القلق المعمم ونوبات الهلع والرهاب، واضطراب القلق الاجتماعي ورهاب المناطق المكشوفة، واضطراب الوسواس القهري والاكتئاب.

طبيعي أم اضطراب

يبدأ تشخيص إصابة الطفل باضطراب قلق الانفصال بأن يحدد الطبيب هل ما يمر به الطفل مرحلة عادية من التطور أم أن هناك اضطراباً حقيقياً؟ وفي الغالب فإنه لا يمكن إعطاء تشخيص دقيق إلا بعد سن الثالثة.

يتم تشخيص قلق الطفل من الانفصال على أنه اضطراب إذا ما عبّر عن الحالة التي تصيبه عند انفصاله عن المنزل، أو شخص متعلق به بشكل مفرط، وإذا كان مستوى القلق يفوق الحد المقبول لمستوى نمو الطفل وعمره، بالإضافة إلى تأثيره في حياته اليومية سلبياً.

ملاحظة السلوك

يجب أن يستبعد الطبيب أي حالة طبية أخرى وراء الأعراض، ولذلك فربما أحال الطفل إلى أخصائي نفسي متخصص في الأطفال، أو طبيب أطفال نفسي ذي خبرة في اضطرابات القلق.

يقوم أخصائي الصحة العقلية غالباً بعمل تقييم نفسي للطفل، وذلك حتى يساعد في تشخيص اضطراب قلق الانفصال.

يجب عليه أن يلاحظ سلوكيات الطفل، ومدة القيام بها وسياق وقوعها وشدتها، مع الأخذ في الاعتبار أي عوامل مساهمة أخرى، ومن الممكن أن يظهر اضطراب قلق الانفصال متزامناً مع مشاكل الصحة العقلية الأخرى.

إرشاد نفسي

يعتمد علاج الطفل المصاب باضطراب قلق الانفصال على الجانب النفسي، وتحتاج بعض الحالات إلى تناول بعض العقاقير المساعدة والمفيدة في هذه الحالة.

يعرف هذا التداوي بالعلاج بالتحدث أو الإرشاد النفسي، وذلك بأن يجلس الطفل مع أحد المعالجين النفسيين، والذي يعمل على تقليل أعراض قلق الانفصال بشكل تدريجي.

يعد العلاج السلوكي المعرفي أحد الأشكال الفعالة للعلاج النفسي لاضطراب قلق الانفصال، ومن خلاله يمكن للطفل أن يتعلم كيف يواجه مخاوفه بشأن الانفصال والشك، وبالإضافة إلى ذلك فإن الوالدين يتعلمان كيفية الدعم العاطفي وتشجيع الاستقلالية المناسبة للعمر.

يمكن أن يفيد الجمع بين الأدوية والعلاج السلوكي المعرفي، وذلك بالنسبة للحالات التي تكون الأعراض لديها شديدة، وربما كانت مضادات الاكتئاب خياراً للأطفال الأكبر سنّاً والبالغين.

توصيات طبية

تشير الإحصائيات الحديثة إلى أن حوالي ما يترواح من 5% إلى 25% من الأطفال حول العالم يعانون مشكلة اضطراب قلق الانفصال، وهي أعداد تصل بالملايين، ويجب التعامل معها بجدية، حتى لا تتطور إلى أمراض نفسية واضطرابات عقلية أشد خطورة.

يؤكد الباحثون والأطباء أنه لا توجد طريقة يمكنها أن تقي الأطفال من الإصابة باضطراب قلق الانفصال، إلا أن هناك بعض التوصيات التي تساعد على التقليل من حدة الحالة والأعراض المصاحبة لها.

تشمل هذه التوصيات طلب المشورة المهنية في أقرب وقت ممكن، وذلك عندما يكون هناك تخوف من أن قلق الطفل أسوأ بكثير من مجرد مرحلة طبيعية يمر بها أثناء مراحل نموه.

يمكن أن يساعد التشخيص والعلاج المبكرين في تقليل الأعراض ومنع تدهور الاضطراب، وينبغي على الوالدين الالتزام بخطة العلاج، وذلك عن طريق التأكد من الحفاظ على مواعيد العلاج بانتظام، من أجل المساعدة في منع حدوث الانتكاسات أو تفاقم الأعراض، أو حدوث مضاعفات أخرى.

ينصح الباحثون كذلك بالتعرف إلى كل ما يثير قلق الطفل، وبالتالي ممارسة الاستراتيجيات التي تم تطويرها مع اختصاصي الصحة العقلية، بهدف التعامل الأمثل مع مشاعر القلق لدى الصغير أثناء الانفصال.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"