عادي

السمنة.. حلقات متسلسلة من المشكلات المرضية

20:35 مساء
قراءة 5 دقائق

تحقيق: راندا جرجس

تعتبر السمنة واحدة من أهم العوامل المؤدية إلى زيادة نسبة الإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية والسرطان وداء السكري ومشكلات الرئة المزمنة، وهي المسؤولة عن ما يقرب من 70٪ من جميع الوفيات في جميع أنحاء العالم، وتعد واحدة من أهم التحديات الصحية الرئيسية؛ حيث أشارت التقديرات إلى أن السمنة بين الصغار زادت بنسبة 47٪ خلال العقود الأربعة الماضية، وبينت الإحصاءات أن 40٪ وأكثر من الذين تتراوح أعمارهم بين 11 و 16 عاماً، و 20٪ من الأطفال دون سن 11 عاماً في دول الخليج العربي يعانون زيادة الوزن أو السمنة، وفي هذا التحقيق يسلط الخبراء والاختصاصيون الضوء على هذا الموضوع تفصيلاً.

تقول الدكتورة عبير الخياط استشاري طب الأطفال: إن عوامل الخطورة بالبدانة تتراكم عند الأطفال ابتداء من مرحلة التطور الجينية؛ حيث إن إصابة الأم بداء السكري الحملي والزيادة المفرطة في الوزن خلال فترة الحمل تُعرض المولود للإصابة، كما يؤدي الاستغناء عن الرضاعة الطبيعية والفطام المبكر إلى زيادة معدل الخطر، ومن ناحية أخرى فإن العوامل المهيئة للسمنة تنشأ في مراحل الطفولة المبكرة وتستمر على مدار السنين، نتيجة وجود الطفل في بيئة غير صحية وغياب الاستجابات السلوكية والبيولوجية الملائمة، وعلى سبيل المثال إن نمط الحياة الحالي يشجع على تناول كميات كبيرة من الأطعمة الغنية بالطاقة والدهون، والفقيرة بالقيمة الغذائية، وغرس عادات الأكل غير الصحية، واستهلاك المشروبات المحلاة، وكذلك الخمول وقلة في النشاط البدني، ونظام النوم المضطرب، وقضاء وقت كبير أمام الشاشات الإلكترونية.

مضاعفات ومخاطر

تلفت د.عبير، إلى أن الإصابة بالسمنة في مرحلة الطفولة تزيد من احتمالية استمرارية الحالة في المستقبل، ما يعرض هؤلاء الأطفال للعديد من المشكلات الصحية التي غالباً ما تترك بصمة دائمة تمتد إلى مرحلة البلوغ، مثل: صعوبات في التنفس، وزيادة الإصابة بالكسور، وارتفاع ضغط الدم، والعلامات المبكرة لأمراض القلب والأوعية الدموية، ومقاومة الأنسولين، وداء السكري، إضافة إلى المشاكل النفسية المتعلقة بزيادة الوزن بما في ذلك التعرض للتمييز والاكتئاب والقلق وصعوبات التعلم.

نصائح صحية

تشير د.عبير، إلى أن الزيارات الروتينية للطبيب المختص ومقدمي الرعاية الصحية تلعب دوراً مهماً في علاج حالات زيادة الوزن والسمنة بشكل مبكر، والتقليل من العواقب السلبية على صحة الطفل، كما يجب على الوالدين تعويد أولادهم على تناول الخضار والفواكه الطازجة يومياً ومع كل الوجبات، وتجنب الأطعمة السريعة والجاهزة، إضافة إلى التقليل من المشروبات المحلاة، إضافة إلى تشجيع الأطفال واليافعين على ممارسة الرياضة يومياً ولمدة ساعة على الأقل، ومن الضروري أيضاً فرض القيود الزمنية لاستخدام الشاشات الإلكترونية لأقل من ساعتين في اليوم، والمحافظة على عادات النوم الصحية.

تدابير وقائية

تؤكد د.عبير، أن الوقاية من السمنة وعلاجها عند الأطفال لا يختصر على القطاع الصحي فحسب؛ بل لابد من وجود نهج شامل تتخذ فيه التدابير والإجراءات عبر التعاون بين جميع القطاعات وبذل الجهود التي تهدف إلى تحسين نمط الحياة للحد من السمنة عند الأطفال، وتجنب الآثار الصحية والاجتماعية والاقتصادية الضارة المرافقة لها، وتشمل مراقبة صحة الأم في الفترة ما قبل الحمل وحتى الولادة، والطفولة المبكرة والمراهقة، ونشر برامج التوعية والتشجيع على الإرضاع الطبيعي.

مقياس الكتلة

يوضح الدكتور طارق إبراهيم استشاري الجراحة العامة والسمنة، أن البدانة عند البالغين يتم تحديدها بحسب مقياس كتلة الجسم (حاصل قسمة الوزن كجم على مربع طول الشخص)، وتكون الدرجة الأولى من 30 إلى 35، والثانية من 35 إلى 40، أما المفرطة فهي ما فوق ال40، وتضاف زيادة في مقياس السمنة إذا صوحب بأمراض الضغط أو السكر ويعرف في هذه الحالة ب «متلازمة الأيض»، وتعتبر كمية ونوعية الطعام ونمط الحياة المعاصرة والوجبات السريعة من أهم الأسباب في الإصابة بالسمنة.

تأثيرات سلبية

يشير د.طارق، إلى أن السمنة تظهر أعراضها وتأثيرها على الجسم من الخارج؛ حيث يبدو في بعض الحالات مملوءاً وغير متناسق، ما يؤثر في مرونة الحركة والنشاط، ويؤدي إلى ارتفاع معدل السمنة أكثر، ويكون الشخص في دائرة مغلقة ويتبع ذلك اضطرابات نفسية سيئة، إضافة إلى زيادة فرص الإصابة ببعض الأمراض، كالسكري، ارتفاع ضغط الدم، ودهون الكبد، والتهابات المفاصل، والشخير أثناء النوم، ويمكن أن يتم علاج السمنة بالطرق التحفظية كالنظام الغذائي والرياضي، أو التدخل الجراحي بعد تقييم الحالة من الطبيب المختص، ويعتبر استعمال الدباسات الذكية التي تتكيف مع سمك جدار المعدة أحدث التقنيات في هذا المجال.

مضاعفات ومخاطر

يذكر الدكتور ناظم الرفاعي، أخصائي الجراحة العامة والمناظير والسمنة، أن البدانة المفرطة من المشكلات المرضية المنتشرة بين جميع الأعمار، وتؤثر سلباً في جميع أجهزة الجسم، وأهمها الجهاز الوعائي، نتيجة تراكم النسيج الدهني والشحوم والأحماض على جدار الأوردة الدموية، ما يؤدي إلى الإصابة بالجلطات وضيق وانسداد الشرايين، والسكتة الدماغية واحتشاء عضلة القلب، وتعتبر السمنة سبباً رئيسياً لمرض السكري، وارتفاع ضغط الدم الشرياني، إضافة إلى تكيسات المبايض والاضطرابات الهرمونية أو حدوث العقم في بعض الحالات عند النساء والرجال أيضاً، فضلاً عن إصابات المفاصل والعمود الفقري، كما أثبتت الدراسات الحديثة ارتباط السمنة بأنواع السرطانات المتعددة مثل: الرئة، المعدة، القولون، وأورام المبيض والرحم.

خيارات علاجية

يؤكد د.ناظم، أن تغيير نمط الحياة أهم خطوات علاج مرض السمنة، من خلال اتباع أساليب غذائية صحية والامتناع عن العادات الضارة والأطعمة غير الصحية، كالوجبات السريعة والسكريات والحلويات والمشروبات الغازية، والانتباه للكميات المستهلكة من التسالي بين الوجبات من الشيكولاتة والمكسرات وغيرها، إضافة إلى ممارسة الرياضة بانتظام لصرف طاقة الجسم عن طريق السباحة أو المشي لمدة ساعة على الأقل يومياً، أما الأشخاص الذين يجدون صعوبة في إنقاص الوزن على الرغم من اتباع الحمية الغذائية، فيمكن أن تفيدهم للطرق العلاجية أو المعالجات غير الجراحية كبالون المعدة، أو العمليات الجراحية مثل: قص المعدة، تحويل المسار العادي أو المصغر، ويعتمد تحديد الخيار المناسب على حساب كتلة الجسم.

تداوي المراهقين

تكمن المشكلة الرئيسية في علاج السمنة المفرطة لدى المراهقين في عدم جدوى العلاج التحفظي بالاعتماد على الحمية الغذائية والرياضة المنتظمة، باعتبارها تحتاج إلى التزام تام، وهو أمر غير متوفر في هذه المرحلة العمرية، وبالمقابل يعد التدخل الجراحي والعمليات خياراً صعباً نتيجة احتمالية حدوث صعوبات في النمو، ولذلك يجب على الوالدين الاهتمام بالمراهق حتى يستطيع اجتياز هذه الفترة وإنقاص الوزن، عن طريق تناول وجبات عائلية منزلية بانتظام وترتبط بنظام غذائي صحي غني بالعناصر الأساسية والكالسيوم والألياف، كالحبوب الكاملة والخضراوات والفواكه ومشتقات الحليب قليلة الدسم، والتشجيع على أداء الأنشطة الحركية والبدنية؛ حيث يحتاج المراهقون إلى ممارسة الرياضة والتدريبات لمدة 60 دقيقة تقريباً في اليوم، وتجدر الإشارة إلى أن أجهزة تتبع اللياقة البدنية الإلكترونية التي يمكن ارتداؤها يمكن أن تكون جزءاً من خطة شاملة لدعم نمط غذائي ونشاط صحيين.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"