صوت «أوميكرون» العالي

00:51 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمود حسونة

ما أشبه الليلة بالبارحة، المشاهد تتكرر وأصحاب القرار حائرون، والإجراءات الاحترازية المشددة تعود من جديد، وكأن «كورونا» لا يريد أن يترك العالم يفرح بتوديع عام واستقبال آخر، ولا يريد أن يمنح الناس الفرصة للاحتفال واستعادة الطقوس التي كانوا يعيشونها قبل أن يحاصر هذا الكابوس حياتهم.

ختام عام 2021 لا يشبه سوى ختام عام 2020، وكلاهما يختلف عن خواتيم جميع الأعوام السابقة عليهما، واعتياد الناس على الخروج جماعياً للتشارك في الاحتفالات أصبح مجرد ذكرى، وتنافس الدول على تحقيق الإبهار فرحاً أصبح من الماضي، بعد أن أجبر هذا الكابوس الأفراد على التقوقع داخل ذواتهم، والاكتفاء بالتوديع والاستقبال الصامت أمام أجهزة التلفزيون أو الشاشات الإلكترونية.

أوروبا في وضع لا تحسد عليه، فبعض دولها أقرت الإغلاق وأعادت التباعد، ولم تجد أمامها سوى الدعوة للعودة للعمل عن بعد لتودع 2021 بنفس آليات استقباله، ودول أخرى تخشى اتخاذ القرار الصعب؛ لإدراكها أن عواقب الإغلاق ستكون وخيمة على الأوضاع الاقتصادية، وستفرز ظواهر اجتماعية غير محمودة، ودول ثالثة أقرت إجراءات جزئية في إطار محاولات حماية شعوبها من تسونامي «أوميكرون» بأقل الخسائر الاقتصادية والاجتماعية، ودول رابعة تسعى لمزيد من التحفيز على تناول اللقاح، مع فرض جرعات معززة تضمن وقاية أكبر من العدوى.

ورغم أن نسبة التطعيم في الولايات المتحدة تجاوزت 70 في المئة بين البالغين، وفي أوروبا اقتربت من ذات النسبة، إلا أن الولايات المتحدة والدول الأوروبية هي الأكثر قلقاً من سرعة انتشار المتحوّر الجديد، وقد يكون السبب أنها صاحبة الصوت العالي والأكثر ضجيجاً وسيطرة على الإعلام العالمي، أو باعتبار أن أنظار العالم تتجه إليها في أعياد الميلاد أكثر من غيرها. وفي المقابل فإن الدول الفقيرة التي لم تصل نسبة التطعيم فيها إلى 10 في المئة وينتشر فيها «أوميكرون» وسابقاه لا نسمع لها صوتاً، ولعله صمت الحقائق المخفية، والعجز عن الفعل، واليقين أن أحداً لن يستمع إليها مهما صرخت أنيناً ووجعاً واستغاثةًً.

الرئيس الأمريكي جو بايدن توقع الأسبوع الماضي «شتاء من المرض الشديد والموت» للأشخاص غير الملقحين، بعد أن كان قد أعلن أن «هذا المتحور ليس مدعاة للذعر»، في حين يحذر أنتوني فاوتشي، مستشار الصحة في البيت الأبيض، من أن عواقب الاحتفالات خطِرة خلال أعياد الميلاد، مؤكداً أن «أوميكرون» سيصبح مهيمناً خلال الفترة المقبلة.

في بريطانيا، يهدد انتشار «أوميكرون» المستقبل السياسي لرئيس الوزراء بوريس جونسون، بعد أن تصدعت حكومته وانقسمت؛ بسبب رغبة بعض الوزراء في تشديد الإجراءات الاحترازية، واتخاذ قرارات بالإغلاق، ورفض آخرين لأي إجراءات قد تنعكس سلباً على الوضع الاقتصادي.

ورغم التفاوت الأوروبي في القرارات بشأن أساليب مقاومة «أوميكرون»، إلا أن أوصال القارة العجوز تكاد تتقطع بعد أن أغلقت العديد من الدول حدودها مع جيرانها خوفاً من مزيد من الانتشار الفيروسي، وما يمكن أن يتبعه من انهيار للنظام الصحي، وطمعاً في السير في الطريق الصواب الذي يضمن سلامة شعوبها.

مسؤولو منظمة الصحة العالمية كانوا الأكثر تصريحاً لوسائل الإعلام خلال العام المنقضي، ومن كثرة الكلام تأتي التناقضات، حيث لا تتوانى المنظمة عن إطلاق التحذيرات، وتتبعها برسائل تطمين أن نهاية الفيروس قد اقتربت، وهي النهاية التي تحدد لها عدة مواعيد على لسان أكثر من مسؤول في المنظمة الدولية، وعلى رأسهم مديرها العام تيدروس أدهانوم غيبريسوس، الذي أراد أن ينشر الأمل بين الناس بعد اليأس والإحباط، فخرج قبل أيام آملاً أن يشهد العام الجديد 2022 نهاية فيروس «كورونا»، ومؤكداً في الوقت ذاته أنه «من الأفضل تأجيل الاحتفالات إلى وقت لاحق، بدلاً من الاحتفال الآن والحزن لاحقاً»، ونهاية الفيروس ليست أملاً عند غيبريسوس وحده، بل أمل وحلم كل فرد يعيش القلق والخوف من «كورونا» ومتحوراته.

«أوميكرون» سريع العدوى والمصابون به يتضاعفون كل يومين أو ثلاثة، وسنسمع عن أرقام كبيرة بعد الأعياد، ولكنه في الوقت ذاته أقل خطورة من غيره حسب كلامهم، وبدلاً من أن يعيش الناس في رعب منه، ليتهم يؤدّون ما عليهم، ويؤجلون التجمعات، ويتحملون المزيد من المتاعب، ويلتزمون ارتداء الكمامة والنظافة الشخصية، ويسارعون إلى مراكز التطعيم؛ ليتمكن الإنسان من الانتصار في هذه المعركة، ويضع نهاية لهذا الغامض المزعج، والعودة الدائمة للحياة الطبيعية، بعد أن فشلت العودة المؤقتة في إشباع وإرضاء عشاق الحياة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"