التضخم بين منحنى «فيليبس» ونظرية «بيت العنكبوت»

21:22 مساء
قراءة 3 دقائق

د. عبد العظيم محمود *

بدأت استثمارات صناعة الأدوات للحركة الحديثة تؤتي ثمارها في السبعينات، مجهزة بتجريد نظرية الألعاب وجداول البيانات الإلكترونية لا نهائية الأبعاد، ما أدى إلى وجود علماء بين الاقتصاديين يتحدون أصحاب التوجهات الهندسية في الاقتصاد - وهم: الكينزيون والنقديون وأمثالهم. وسعى المحدثون إلى تقديم معالجات أكثر واقعية للأمور المألوفة - وكان من بينها التضخم والمنافسة الاحتكارية بشكل أساسي؛ وذلك بقدرة أعلى مما كانت تسمح به التقنيات القديمة، وبالطبع، استطاع المحدثون أن يربحوا المعركة. وبنهاية العقد، اختفت حالة الفصام بين الكينزيين / النقديين بشكل كامل، على الأقل في أوساط أولئك الذين يعملون في طليعة المجال. وقد تم التعويض عن هذا الفصام بتمييز جديد، بين فريقي الاقتصاد الكلي لفريق الماء العذب وفريق الماء المالح. كانت الكثير من المناقشات مألوفة، وكانت تلك المناقشات تتم، على أي حال، بلغة مختلفة. كان التضخم نقطة البداية في النقاش، ففي نهاية الستينات لم يكن لدى الاقتصاديين مشكلة يواجهونها أكبر من مشكلة التضخم. وقد اقترح «صامويلسون» و«سولو» حلاً هندسياً في ورقتهم البحثية حول منحنى فيليبس - وهو أن قليلاً من البطالة قد يؤدي إلى تخفيض التضخم. والقليل من التضخم قد يؤدي إلى الحد من البطالة وقد سيطر منحنى فيليبس على الاقتصاد لبضع سنوات. وكانت المشكلة أن هذا التبادل لم يكن يعمل على ما يبدو. ارتفعت معدلات البطالة ولم يحقق التضخم أي هبوط عن معدلاته السابقة. وكان العامل الرئيسي وراء ذلك، كما اتفق الاقتصاديون، هو أن الأفراد أصبحوا يتوقعون التضخم. وكانوا قد توصلوا إلى الحكمة التي تمكنهم من معرفة ما كانت تفعله الحكومة.

طالما عرف الاقتصاديون أن التنبؤات تؤثر بشكل روتيني في نتائج الاقتصاد، فإذا ما توقع الناس ارتفاعاً في الأسعار، فإنهم سيشترون لوازمهم مقدماً نتيجة لهذا التوقع، كما أنهم سيحجمون عن البيع حتى يحدث ارتفاع في الأسعار، خالقين بذلك تحقيقاً ذاتياً لارتفاع الأسعار، سينهار حتماً عندما يقوم كثير من الأفراد بسلوك نفس النهج. ويتشابك المستهلكون والمنتجون في سلوك أكثر تعقيداً. وبمفهوم آخر فإن الابتعاد عن التوازن كان هو ما بنى عليه كينز كل أعماله؛ لذلك، منذ ثلاثينات القرن الماضي، أصبح الاقتصاديون يعملون على دمج التوقعات، بطريقة آلية على أي حال، في حساباتهم الرسمية.

كانت عمليات البرهنة في الكتب الدراسية النمطية للكتب الدراسية حول مجرد الوقت اللازم مروره قبل إحضار منتج للسوق تؤدي إلى خلق تقلبات في أسعار السوق تسمى ب«نظرية بيت العنكبوت»؛ وذلك بعد النظر إلى المعالجة البيانية للتخلف الناجم عن التفاعل. كان المثال النمطي هو دائرة الاعتماد المتبادل بين أسعار الذرة والخنازير. وفي عام 1935، أثبت الشاب «رونالد كواز» Ronald Coase (وزميله «فولر» R.F Fowler) أن دورة تربية الخنازير في إنجلترا تستمر لأربع سنوات، بدلاً من السنتين اللتين تنبأت بهما نظرية بيت العنكبوت. لماذا حدث ذلك؟ ربما لأن المزارعين أرادوا وضع أي معلومات إضافية في حساباتهم مثل استيراد لحم الخنزير المقدد والتغيرات في الطلب - وذلك لإدراكهم أن مزيداً من التنبؤات الدقيقة سوف يؤدي إلى ربحية أعلى. وتنبأت تلك المناقشات بالافتراض النفسي الذي عُرف فيما بعد «بالتوقعات الرشيدة».

بحلول أواخر الخمسينات من القرن الماضي كان قد تم تطوير «بيت العنكبوت» إلى صيغة أكثر تعقيداً أطلق عليها اسم التوقعات القابلة للتكيف. وكان الجنس البشري ما زال ينظر إلى الوراء. الآن، على أي حال، أصبح من المتوقع أن يحللوا الأخطاء التي وقعوا فيها ويرجعونها إلى أصولها الأساسية، ولكن ذلك لن يحدث إلا بعد الوقوع في تلك الأخطاء. لقد تعلموا من التجربة، ولكن لم يكن لديهم أي خيال. واعتمدت معظم نماذج كينز على افتراض التوقعات القابلة للتكيف، ولا يرجع ذلك بالضرورة لأن الكينزيين اعتقدوا في «الكاريكاتير» النفسي المتعلق بالإنسان الاقتصادي كمخلوق له عادات، يسهل خداعة (على الرغم من أن البعض قد فعل ذلك بالفعل) ولكن لأن ذلك كان ملائماً. وقد بنى رواد الاقتصاد في فترة الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي نماذجهم على الأدوات الرياضية شديدة الصعوبة التي تم اختراعها للسيطرة على المصانع الكيماوية وعلى صنع الخشب الرقائقي ولبناء ناقلات ومستقبلات الإذاعة.

* أكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"