عادي
أعمال تحتفي بالبيئة عبر الرسم والزخرفة

الجمال يداعب عين المشاهد في «الفنون الإسلامية»

23:13 مساء
قراءة 3 دقائق
3

الشارقة: علاء الدين محمود

تعكس الكثير من التجارب والممارسات الفنية في مهرجان الشارقة للفنون الإسلامية، شغفاً من قبل الفنانين بالتأمل في الطبيعة ومحاولة اكتشافها ورصد جمالياتها، إضافة إلى بعض الأعمال التي تقدم مقترحات في كيفية التعامل مع البيئة والحفاظ عليها ضد السلوكيات والعادات التي تضر بها، من أجل أن تستمر الحياة. وقد عمل هؤلاء الفنانون على تقديم تصور جمالي خاص بالطبيعة وأطروحات فكرية بأدوات الفنون من رسومات وزخارف وتكوينات وتجهيزات تحمل لمسات وإشراقات إبداعية، وتزخر بالمعنى.

تقدم الفنانة الرائدة نجاة مكي عدداً من الأعمال والأطروحات الجمالية التي تخاطب الوعي الإنساني بضرورة إدراك القيم الجمالية الموجودة في الطبيعة بغرض المحافظة على رموزها وأشكالها، وتطويع ما بها من جمال في أعمال إبداعات تحمل رؤية جمالية ومواكبة في الوقت ذاته لتطورات العصر.

استخدمت مكي في تلك الأعمال، خامات وأدوات تحمل خصائص متعددة، فنغمات الخطوط ودرجاتها وترتيب تتابعها داخل النسق الفني، وكيفية تآلفها، تمثل جانباً مهماً للشكل العام مما يناسب البناء التشكيلي لكل عمل، حيث إن الفكرة تركز بصورة أساسية على القيمة التعبيرية والتشكيلية والوحدة بين الأجزاء والتي قد تنشأ عن العلاقات الخطية واللونية الناتجة عن الخبرة، استلهاماً للقول: «من خبر الشيء عرف حقيقته»، وكذلك الإيقاع والتناغم والتوافق.

وعبرت تلك المنظومات الجمالية التي قدمتها مكي، عن الحركة في اتجاهات متعددة، وجاءت تعكس أسلوب الحياة وإيقاعها المستمر، وتم توظيف الضوء باعتباره وسيطاً تصميمياً في تلك الأعمال التي تستحضر التراث الإسلامي العريق، في رؤية تواكب العصر والمتغيرات العالمية والمحلية، وكذلك معطيات الطبيعة كمصدر من مصادر التنوع.

واهتمت مكي بعناصر التصميم داخل التكوين وتآلفها وعلاقة الوحدات ببعضها بعضاً من حيث الشكل والمساحة والفراغ والهيئة وما حولها، في عملية البناء كالوحدة، والتقابل والتغاير والإيقاع، وعلاقة الظل والنور، والتماثل والتناظر والتدرّج، وهذا يعكس قانوناً من قوانين الكون. فالشكل المتعرج أو الحلزوني جاء حسب قانون التعاقب الأزلي للكون والحياة: ليل يعقبه نهار، ونهار يعقبه ليل، كما يعتبر في الثقافات الإنسانية رمزاً قمرياً يشير إلى التجدد المتداول.

تغير

الفنانة الهندية سيمرين مهرا أجاروال، ركزت في ممارستها الفنية ـ من خلال الأعمال التي قدمتها، وحملت عنوان «بيئة متاحة» ـ على فهمنا للطبيعة وتحولاتها من الازدهار والانحلال في سياق تواريخ الحروب والقضايا المعاصرة لتغير المناخ.

وتركز أعمالها كذلك على الهندسة المعمارية الدقيقة، وتربطها مع البناء من صنع الإنسان لفهم كيف يمكن نشر الأساليب المستدامة في إعادة بناء الغابات، وأشجار «المنغروف»، وتشكيل الشعاب المرجانية الاصطناعية، لتعزيز موطن الأنواع المهددة بالانقراض.

وتبتكر سيمرين من خلال الرسومات والمنحوتات والنقوش البارزة، تركيبات معقدة تفكك بعناية وعمق حتى أدق التفاصيل لاستخلاص المعاني والروابط الخفية، مما يترك المشاهد مع وعد بعالم خيالي مستقبلي يتسم بالتعايش بين الأنواع المتعددة.

وتغطي أعمال سيمرين، مساحات كبيرة على الجدران وتخلق بيئات غامرة تستكشف مفاهيم النمو اللامتناهي مع تجسيد خصائص النمط الإسلامي داخل نسيج العمل، والانتقال من الهياكل البسيطة إلى غير المتجانسة، لتصوير التدرجات الهندسية، كما تدرس حالات الطبيعة المتغيرة.

حضور المكان

الفنان الألماني ماركو همرلنج، قدم تجهيزات فنية في غاية الدقة والإبداع، وهي التي أطلق عليها اسم «نطاق المدينة»، ومن خلال الأعمال يتعامل الفنان مع التصور المجزأ لبيئتنا، حيث يمكن النظر إلى الهيكل على أنه مشهد حضاري يعكس مناظر مجزأة للمكان، ويكوّن في الوقت نفسه صورة ثلاثية الأبعاد، وأثناء التحرك حول النحت المعقد هندسياً، تتغير الصور التي تنعكس على الغلاف المثلث باستمرار. وبهذه الطريقة يصبح المشاهد جزءاً لا يتجزأ من التجهيز وانعكاساته المعقدة، وبذلك يكون المتلقي مشاركاً في العمل الإبداعي، كما يعكس السطح الخارجي المنعكس للنحت الضوء في زوايا مختلفة، اعتماداً على حالة ضوء النهار وموقع المشاهد.

وتعتمد الأعمال الفنية لهمرلنج على نمط هندسي يتعلق بالزخارف المتعددة للثقافة الإسلامية، ومن خلال السطح العاكس للنحت، تندمج هذه الأشكال الهندسية لتزيد من الزخرفة، في حين تتكثف الخلفية المعمارية على الهيكل الشبيه بالبلور، فيما يعمل الانعكاس ذو اللون الذهبي على تصنيف الصور المختلفة، ويشير في الوقت نفسه، إلى ألوان ذات طابع عربي طبيعي وثقافي، بدءاً من الأصفر والبرتقالي، وصولاً إلى الذهبي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"