ديزموند توتو.. وداع رمز

00:29 صباحا
قراءة دقيقتين

فيصل عابدون

نال الزعيم الجنوب إفريقي ديزموند توتو، الذي رحل عن عالمنا مطلع الأسبوع الجاري، جائزة نوبل للسلام عام 1984، ومن بين أروع العبارات في تلخيص مزاياه الشخصية، تلك الكلمات التي قالها رئيس الوزراء النرويجي يوناس يار في وداعه من أن الجائزة العالمية المرموقة لم تقدم إلى شخصية تستحقها في العالم أكثر من توتو.

وصفه الرئيس الجنوب إفريقي سيريل رامابوزا، بأنه كان يتميز بذكاء لافت ونزاهة لم تتمكن قوى الفصل العنصري من دحرها، كما كان يتمتع بقدر كبير من الرقة في تعاطفه مع الذين كابدوا القمع والظلم والعنف، ومع المظلومين والظالمين على حد سواء في كل أنحاء العالم.

لقد استحق توتو ذلك التقدير العالمي الرفيع؛ بل إنه في الواقع أضاف امتيازاً إلى الجائزة نفسها. فهو زعيم استثنائي يقترب من أن يكون أسطورة لكل الأجيال، وهو صانع سلام في أوضاع جنوب إفريقيا الشائكة والمعقدة خلال فترة الحكم العنصري وبعد سقوطه، ومحارب صلب وقوي المراس قادر على دفع أثمان المواجهات الصعبة، لكنه هيّن تستخفه بسمة طفل في ساعات النصر، واعتدال موازين العدالة.

مات ديزموند توتو عن عمر يناهز تسعين عاماً من دون أن يفقد جاذبيته الشخصية وصفاته القيادية، وتأثيره الطاغي على الناس العاديين وجماعات النخبة على المستوى المحلي والقومي، وعلى مستوى العالم.

قاتل بلا هوادة ضد نظام الفصل العنصري (الأبرتهايد)، أعتى النظم الاستبدادية في العصر الحديث، وزامل زعيم الاستقلال الراحل نيلسون مانديلا، الذي قضى ليلته الأولى بعد خروجه من سجن النظام العنصري في منزل توتو. حارب من أجل العدالة والمساواة وضد تحقير الإنسان وإهانته، وكان ثابتاً وراسخاً في كفاحه من دون أن يقع في فخ التطرف أو يسمح بالانجراف وراء نزعات الكراهية والانتقام.

بعد سقوط النظام العنصري تولى رئاسة لجنة الحقيقة والمصالحة التي عملت على حقن الدماء وتجاوز الضغائن والأحزان، وبناء أمة واحدة متجانسة ومتساوية في حقوقها وواجباتها من أجل المستقبل الأفضل لأبناء جنوب إفريقيا. 

لم يكن كفاح ديزموند توتو مقتصراً على بلده جنوب إفريقيا؛ بل كانت كلماته تعبر الحدود وتحث على استعادة موازين العدالة واحترام حق الحياة والكرامة للإنسان في كل مناطق النزاعات في إفريقيا وفي العالم العربي، وفي مناطق أخرى يعاني أهلها العسف والظلم وانعدام المساواة. لقد كان توتو أجدر الناس بلقب ضمير إفريقيا. 

وقال مانديلا عنه ذات مرة، إن أبرز صفاته استعداده لأخذ مواقف لا تحظى بالتأييد الشعبي دونما خوف، كما امتدح استقلاله الفكري الذي يشكل الدعامة الأكثر أهمية لازدهار الديمقراطية.

وقالت ماري روبنسون، رئيسة إيرلندا السابقة ورئيسة «مجلس الحكماء» الذي يضم مجموعة من قادة العالم، إنها صارت بفضله «سجينة الأمل». 

وهذه أيضاً عبارة بارعة وجميلة وعميقة التأثير. وتحدث بيان للمجلس عن ضحكته المعدية وروح الفكاهة الشائقة والفاتنة التي تمتع بها. 

لقد فقد العالم برحيل توتو شخصية عظيمة، لكن سيرته ستظل مصدر إلهام لا ينضب.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"