عادي
انتخابات مبكرة لتأكيد هيبة الدولة والانفتاح على دول الجوار والمحيط العربي

عراق 2021..عام الصمود للخروج من الأزمة

01:11 صباحا
قراءة 7 دقائق
قوات للجيش العراقي خلال عملية ضد «داعش» في سهل نينوى
مشهد للأضرار الناجمة عن محاولة اغتيال الكاظمي في المنطقة الخضراء (رويترز)
مركز لفرز أصوات الاقتراع في بغداد
متظاهرون في البصرة يحرقون الإطارات احتجاجاً على نتائج الانتخابات (واع)

مع وداع عام 2021، لا يزال المشهد العراقي يزدحم بالكثير من التحديات والتعقيدات الداخلية التي تتجمع في الأفق، على مختلف المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية والصحية، وهي كلها بحاجة إلى حلول ومعالجات جادة، على الرغم من سير العراق بخطى ثابتة للخروج من أزماته والتقدم الملحوظ الذي تم إحرازه على مختلف المسارات، سواء في الحرب على الإرهاب، أو في الحوار الإستراتيجي مع الولايات المتحدة وجدولة انسحاب القوات القتالية الأمريكية من البلاد، أو على صعيد التقارب مع دول الجوار الإقليمي وعودة العراق إلى محيطه العربي. على أن الإنجاز الأبرز الذي تم تحقيقه هو إجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة، وإن كان قد أعقبها انقسام سياسي، بين قوى «المكون الشيعي» حصراً، بعد الخسارة الكبيرة التي منيت بها تلك القوى، والتي لا تزال تنتظر الحسم، تمهيداً للخروج من الأزمة والانتقال إلى الخطوات التالية، وهي تشكيل الحكومة الجديدة، وانعقاد مجلس النواب الجديد لانتخاب رئيس له ثم رئيس جديد للجمهورية، وهي كلها خطوات لا تزال مفتوحة على كل الاحتمالات.

قانون انتخابي جديد

شكلت الانتخابات التشريعية المبكرة، التي أجريت في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والتي كانت مقررة في السادس من يونيو/حزيران، الحدث الأهم في العراق، خلال عام 2021، باعتبارها، في أحد وجوهها، ترجمة لأحد مطالب «الحراك التشريني» الذي اندلع في أكتوبر 2019، ولأنها لا تزال تثير الكثير من الجدل والنقاش داخل الساحة العراقية، على خلفية النتائج التي أفرزتها، ورفض القوى الخاسرة الاعتراف بهذه النتائج والمطالبة بإلغائها. فقد أجريت الانتخابات، وفق قانون انتخابي جديد أقره البرلمان المنتهية ولايته، بعد خلافات حول ملحق القانون الذي يحدد الدوائر الانتخابية ويقسم البلاد إلى 83 دائرة انتخابية بعد أن كانت دائرة واحدة في انتخابات عام 2005، أو تقسيمها إلى 18 دائرة انتخابية على عدد المحافظات العراقية كما جرى في الانتخابات الثلاثة اللاحقة حتى عام 2018. كما تم تخصيص مقاعد ل «الكوتا» النسائية، حيث يُلزم الدستور بحصولهنّ على 25 في المئة من المقاعد البالغ عددها 329 مقعداً، وذلك بهدف الحد من وصول القوى التقليدية إلى البرلمان، لكن القانون الجديد ظل معلقاً لنحو 11 شهراً حتى صادق عليه الرئيس العراقي برهم صالح «بتحفظ»، لأنه جاء مخالفاً للقوانين السابقة. ومع ذلك، فإن القوى التقليدية سرعان ما باشرت التكيف مع القانون الجديد والاستعداد لخوض الانتخابات المبكرة متخلية عن مطلب إجرائها في موعدها الأصلي عام 2022، وبالتالي فقد بلغت نسبة المشاركة في الانتخابات نحو 41 في المئة، ما يعني أن نسبة المقاطعة بلغت نحو 59 في المئة، وهي أعلى من نسبة المقاطعة في انتخابات 2018، وهو الأمر الذي قالت عنه رئيسة بعثة المراقبة الأوروبية فايولا فون كرامون، في مؤتمر صحفي، «للأسف، في هذه المرحلة، لاحظنا نسبة مشاركة ضئيلة»، مضيفة «هذه إشارة سياسية واضحة، وليس لنا إلا أن نأمل بأن تلتفت النخبة السياسية إلى ذلك». وتابعت «تم توظيف الكثير في هذه الانتخابات وكان الجميع يأمل في أن تشكل منعطفاً في المسيرة الديمقراطية للعراق».

التيار الصدري أولاً

في كل الأحوال، جاءت نتائج الانتخابات مبشرة وتجاوزت التوقعات بالنسبة للبعض، وصادمة للبعض الآخر، فقد حقق التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر فوزاً كبيراً بحصوله على المركز الأول مع 73 مقعداً، بينما مني تحالف «الفتح» بزعامة هادي العامري بهزيمة ثقيلة مع حصوله على 17 مقعداً، بعدما كان يشكل القوة الثانية في البرلمان المنتهية ولايته ب 48 مقعداً، ليحل في المركز الثاني بدلاً منه تحالف «تقدم» بزعامة محمد الحلبوسي رئيس البرلمان المنتهية ولايته بحصوله على 37 مقعداً، وحل في المركز الثالث كتلة «دولة القانون» بزعامة نوري المالكي مع حصولها على 33 مقعداً، ثم الحزب الديمقراطي الكردستاني ب 31 مقعدا، وحصل تحالف كردستان على 17 مقعداً، فيما حصد تحالف «عزم» 14 مقعداً.

بانتظار المصادقة النهائية

وعلى الرغم من إعلان النتائج النهائية للانتخابات، فإنها لا تزال تنتظر المصادقة عليها من قبل المحكمة الاتحادية، وهو الأمر الذي يبدو أنه سيستغرق وقتاً طويلاً بعد أن قدم تحالف «الفتح» والأطراف الخاسرة دعاوى أمام المحكمة الاتحادية تطالب بإلغاء الانتخابات برمتها.

نحن لا ندري، كيف سينتهي الحال في المحكمة الاتحادية، وكم من الوقت سيستغرق قرار المحكمة الذي يرجح أن يكون لصالح تثبيت الانتخابات ونتائجها، خصوصاً أن الجزء الفائز، وهو الأغلبية، يرفض رفضاً قاطعاً إلغاءها، مدعوماً بقوة وزخم الحاضنة الإقليمية والدولية للعملية الانتخابية والمفوضية والحكومة والنتائج التي أفرزتها صناديق الاقتراع، على أن الأهم هو أن العراق يقف الآن على أعتاب مرحلة جديدة، قوامها البحث عن الاستقلالية واستحداث علاقات متوازنة في علاقاته الداخلية والخارجية، وتحييده عن الصراع الأمريكي - الإيراني، وتفادي تحويله لساحة تصفية حسابات إقليمية ودولية، كما طالب قادته مراراً وتكراراً، ومواصلة مسيرته الانفتاحية على المحيط العربي، بصرف النظر عما إذا كان الكاظمي سيحظى بولاية ثانية أم لا، إذ إن مؤشرات التحالفات الجديدة في إطار «حكومة الأغلبية السياسية» تشي بأن هناك من سيتابع السياسة التي انتهجها الكاظمي، خصوصاً لجهة الانفتاح على الجوار العربي، ما يعني أن هذا الجوار معني بدوره في احتضان العراق ومساعدته على استعادة دوره العربي أكثر من أي وقت مضى.

طعون واتهامات بالتزوير

نتائج الانتخابات لم تقنع الخاسرين الذين توحدوا خلف اتهام مفوضية الانتخابات بالانحياز والتزوير وقلة «الكفاءة»، رغم شهادة الأمم المتحدة وبعثات المراقبة الدولية بنزاهتها وشفافيتها، وراحوا يقدمون مئات الطعون في نتائجها ويطالبون بإعادة الفرز والعد اليدوي، بالتزامن مع حشد الآلاف من مؤيديهم للتظاهر احتجاجاً قبل أن يقوم هؤلاء بنصب خيام الاعتصام أمام «المنطقة الخضراء» في بغداد، حيث توجد مقرات البعثات الدبلوماسية والوزارات والدوائر الحكومية، وحاولوا اقتحام المنطقة أكثر من مرة، واشتبكوا مع قوات الأمن حيث سقط العديد من القتلى والجرحى، غير أن نتائج إعادة الفرز والعد اليدوي لم تفض إلى أي تغيير ذي قيمة في النتائج المعلنة، إذ أعلنت المفوضية أن نتائج الفرز والعد اليدوي أحدثت تغييراً في خمس مقاعد فقط موزعة على خمس محافظات عراقية بواقع مقعد واحد في كل محافظة. وهو ما أدى إلى اشتعال الغضب لدى الخاسرين الذين راحوا يطالبون بإلغاء الانتخابات نهائياً ويلوحون بالقوة، وهو ما يعني، في النهاية، اندلاع حرب أهلية بين أبناء المكون الواحد والطائفة الواحدة، وبالتالي فقد تداعى المنضوون فيما يسمى «الإطار التنسيقي» الذي يضم القوى الخاسرة، إلى عقد اجتماع مع زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، للجم تداعيات الأخطار التي باتت تهدد ما يسمى «البيت الشيعي»، خصوصاً أن الأمر وصل إلى حد محاولة اغتيال رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، والبحث في تشكيل حكومة وحدة وطنية.

استهداف الكاظمي.. تحول في الصراع مع الميليشيات

تجمع معظم القراءات السياسية داخل العراق وخارجه، على أن محاولة اغتيال رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، كانت تستهدف إحداث الفوضى، وإلغاء الانتخابات النيابية المبكرة التي أجريت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لكنها بالمقابل، لن تمر مرور الكرام، وربما تشكل نقطة تحول في تعاطي بغداد مع الخطر المتعاظم، الذي تمثله الميليشيات المندرجة ضمن إطار ما يُسمى ب«الحشد الشعبي» بعد الهزيمة المدوية للأحزاب التي تمثلها في الانتخابات.

الاستهداف، بحد ذاته، يحمل رسائل متعددة، دأبت الميليشيات المسلحة على توجيهها بالأسلوب ذاته، ويتمثل ذلك بالطائرات المسيّرة، التي في الأغلب كانت تستخدمها ضد البعثات الدبلوماسية والمصالح والقوات الأمريكية والأجنبية المتواجدة على أرض العراق في إطار التحالف الدولي لمحاربة تنظيم «داعش». وفي مقدمة هذه الرسائل التخلص من الكاظمي، أو في أقل الأحول، قطع الطريق على احتمال عودته لولاية ثانية على رأس السلطة التنفيذية، علاوة على إدخال البلاد في حالة من الفوضى والاقتتال الداخلي، سعياً لإلغاء نتائج الانتخابات، ومنع تشكيل حكومة أغلبية سياسية بزعامة التيار الصدري صاحب العدد الأكبر من مقاعد البرلمان، والذي يصر على حل هذه الميليشيات المنفلتة، وحصر السلاح بيد الدولة، ومحاربة الفساد والفاسدين أياً كان هؤلاء وإلى أي جهة انتموا. ويبدو أن هذه الميليشيات أرادت، من خلال دفع البلاد إلى الفوضى، التوصل إلى تسويات أو خلق ظروف مؤاتية لإشراكها في السلطة للمحافظة على نفوذها وقوتها، وعدم ملاحقتها أو حلها لاحقاً.

غير أن العملية التي استهدفت منزل الكاظمي في «المنطقة الخضراء»، تعد مؤشراً واضحاً على استعداد الميليشيات إلى اللجوء للخيار العسكري، بهدف تغيير الواقع العراقي ونتائج الانتخابات بالقوة، وجاءت تتويجاً لتصريحات وتهديدات صريحة صدرت عن زعماء هذه الميليشيات للكاظمي، لكن رد فعل الكاظمي جاء متزناً وهادئاً وداعياً للحوار، وإن وجه لاحقاً، الاتهام إلى جهة سياسية وعسكرية عراقية (لم يسمها) في محاولة اغتياله، مؤكداً أنها داخلية وليست خارجية، وأنها طرف له مشروع سياسي وشريك في العملية السياسية.

الحوار الاستراتيجي العراقي الأمريكي وتحديات الإرهاب

اكتسب الحوار الاستراتيجي العراقي- الأمريكي أهمية خاصة، لارتباطه بموضوعين شائكين، هما وجود القوات الأجنبية في العراق والحرب على الإرهاب، من جهة، وأيضاً بموضوع السيادة وتحييد العراق عن الصراعات الإقليمية والدولية، من جهة أخرى، ولأنه ظل موضوعاً خلافياً انقسم العراقيون حوله، بنسب معينة، ما بين مطالب بإخراج القوات الأجنبية من البلاد، وما بين مؤيد لبقائها لمنع هيمنة الميليشيات المسلحة، ولأن خطر الإرهاب لا يزال قائماً، في ظل تزايد المخاوف من عودة تنظيم «داعش» بعدما بدأ يطل برأسه من جديد في أنحاء مختلفة من البلاد.

وجاء الحوار الاستراتيجي بين بغداد وواشنطن، على خلفية قرار البرلمان العراقي بإلزام الحكومة العمل على إنهاء الطلب المقدم منها إلى التحالف الدولي لمحاربة «داعش»، بقيادة واشنطن، وإنهاء أي تواجد للقوات الأجنبية على الأراضي العراقية.

عقدت الجولة الأولى من الحوار الاستراتيجي بين الطرفين افتراضياً بتاريخ 11 يونيو/ حزيران 2020، بينما عقدت الجولة الثانية في العاصمة واشنطن في 19 أغسطس/ آب 2020، والثالثة عقدت بتاريخ 7 إبريل/ نيسان 2021، في حين عقدت الجولة الرابعة من الحوار، وهي الأهم، في نهاية يوليو/ تموز 2021، حيث وقع الرئيس الأمريكي جو بايدن، ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، في ختام الجولة، اتفاقاً ينهي رسمياً المهمة القتالية الأمريكية في العراق بحلول نهاية 2021، وتحويل مهمتها إلى المشورة والتدريب والدعم الاستخباراتي، وهو ما تم فعلاً في العاشر من ديسمبر/ كانون الأول الجاري، وأكدت بغداد في المقابل التزام العراق بحماية أفراد القوات الأمريكية والتحالف الدولي.

يأتي ذلك، بينما يستمر الجدل حول قدرة القوات العراقية وحدها على مواجهة تحديات الإرهاب والتهديدات التي تطلقها الميليشيات المسلحة، فضلاً عن قدرتها على حماية القوات الأمريكية والقوات الأجنبية الأخرى المنضوية في إطار التحالف الدولي لمحاربة تنظيم «داعش»، الذي عاد ليطل برأسه من جديد في مختلف المناطق العراقية، بعدما تمكن من إعادة تنظيم صفوفه وقيامه بشن هجمات مباغتة وعمليات كرّ وفرّ لاستنزاف القوات العراقية في إطار استراتيجيته الجديدة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"