نحو وداع 2021

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

العمر حكايات وحياكات، وبين كل حكايتين ظاهرتين للعيان، ثمة حكايات خفيات، لا يمكن الاستدلال عليها ومعرفة أحدثها وأحاديث تناولها، إلا إذا تم الكشف عن وجهها وعن وجهة نظرها وعن اتجاهها، أو تم اكتشافها بمحض الصدفة أو بواعز البحث والتقصي.
تقول الحكاية: «جلست الزوجة على مكتب زوجها وأمسكت بقلمه، وكتبت: ’’في السنة الماضية، أجريت لزوجي عملية إزالة المرارة، ولازم الفراش عدة شهور، وبلغ الستين من عمره؛ فترك وظيفته المهمة في دار النشر التي ظل يعمل بها ثلاثين عاماً، وتوفي والده في تلك السنة، ورسب ابننا في بكالوريوس كلية الطب لتعطله عن الدراسة عدة شهور بسبب إصابته في حادث سيارة‘‘. وفي نهاية الصفحة كتبت: (يا لها من سنة سيئة للغاية)!. 
ودخل عليها زوجها يريد أن يجلس على مكتبه، ولاحظ شرود زوجته، فاقترب منها، ومن فوق كتفها قرأ ما كتبت، فترك الغرفة بهدوء، من دون أن يقول شيئاً.. لكنه بعد عدة دقائق عاد وقد أمسك بيده ورقة أخرى، وضعها بهدوء بجوار الورقة التي سبق أن كتبتها زوجته.. فتناولت الزوجة ورقة الزوج، وقرأت فيها: ’’في السنة الماضية، شفيتُ من آلام المرارة التي عذّبتني سنوات طويلة، وبلغت الستين وأنا في تمام الصحة، وسأتفرغ للكتابة والتأليف بعد أن تم التعاقد معي على نشر أكثر من كتاب مهم، وعاش والدي حتى بلغ الخامسة والتسعين من غير أن يسبب لأحد أي متاعب، وتوفي بهدوء من غير أن يتألم، ونجا ابننا من الموت في حادث السيارة، وشفي بغير أية عاهات أو مضاعفات‘‘. وختم الزوج عبارته قائلاً: (يا لها من سنة أكرمنا الله بها وقد انتهت بكل خير)».
هكذا دوّن الزوجان الأحداث نفسها، في الوقت نفسه، بنظرتين مختلفتين: نظرة منغمسة بالتشاؤم والتأفف والتحسر والتذمر، ونظرة مشبعة بالشكر والتفاؤل وبالرصد الإيجابي لنواتج تلك السنة الماضية في حال سبيلها. وهكذا، فعلينا ونحن في لحظات وداع لحقبة زمنية من أعمارنا عبر سفينة العام 2021، ألّا ننظر إلى ما اعترى مسيرتنا من نواقص لحكمة إلهية، وألّا نبدي تذمراً مما لدى الناس من إمكانات ومدعمات دون أن يكون لدينا شيء من ذلك الفضل الإلهي على سوانا من خلقه، بل علينا الاعتراف لله بها دون سواه من البشر، وأن يقتنع كل منا بما لديه من النعم، ونتنبه إلى ما لدينا من عطايا وإمكانات حبانا الله بها دون سوانا من البشر، بسيطة جداً كانت أم غير ملحوظة بوضوح، بما يحملنا على حمد الله، سبحانه وتعالى، على ما تفضل به علينا من مكتسبات جنيناها في محطات العمر في مختلف الصعُد، وبما يدفعنا إلى معاهدة أنفسنا على إصلاح ذواتنا مما ارتكبناه من أخطاء بحقنا وبحق الآخرين، وبما أخفقنا به في مسيرة الحياة الدنيا.
قال تعالى: «وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ». النمل (73).
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أديب وكاتب وإعلامي إماراتي، مهتم بالنقد الأدبي. يحمل درجة البكالوريوس في إدارة الأعمال، من جامعة بيروت العربية. وهو عضو في اتحاد كُتّاب وأدباء الإمارات، وعضو في مسرح رأس الخيمة الوطني. له عدة إصدارات في الشعر والقصة والمقال والدراسات وأدب التراجم

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"