عادي

«النووي الإيراني».. في انتظار صفقة

23:37 مساء
قراءة 5 دقائق

د. محمد عباس ناجي
على الرغم من أن الخلافات العالقة بين إيران والقوى الدولية التي تنخرط معها في مفاوضات فيينا، التي استؤنفت جولتها الثامنة في 27 ديسمبر/ كانون الأول الحالي، لا تبدو ثانوية، ولا يمكن تسويتها بسهولة، فإن إصرار الطرفين على استمرار المفاوضات يوحي بأن هناك رغبة في الوصول إلى تسوية تعزز من استمرار العمل بالاتفاق النووي الذي يواجه في الفترة الحالية اختباراً صعباً، على نحو يطرح مسارات عديدة لما يمكن أن تنتهي إليه هذه المفاوضات.

ربما يمكن القول إن ثمة اعتبارات رئيسية ثلاثة تضفي أهمية وزخماً على الجولة الحالية من المفاوضات. أولها، أنها قد تكون إحدى المحطات الحاسمة في تحديد أي من هذه المسارات سوف يتحقق في النهاية، على أساس أنه لم يعد هناك وقت كثير للاستغراق في مناقشات مستفيضة حول تفاصيل الصفقة المحتملة، في ظل إصرار إيران على المضي قدماً في تطوير برنامجها النووي، بالتوازي مع استمرار المفاوضات.

وثانيها، أن المفاوضات تجري بالتزامن مع تصاعد حدة التوتر بين إيران وإسرائيل في ظل حرص الدولتين على توجيه تهديدات متبادلة؛ إذ أقرت لجنة المالية في الكنيست الإسرائيلي، في 24 ديسمبر الجاري، زيادة في موازنة أجهزة الأمن بواقع 2.9 مليار دولار، بالتوازي مع الاستعداد لإجراءات مناورات جوية للتدريب على استهداف المنشآت النووية. في حين انتهت إيران من إجراء مناورات «الرسول الأعظم 17» في اليوم نفسه؛ حيث حرصت على إطلاق 16 صاروخاً باليستياً قالت إنها نجحت في استهداف نموذج لمفاعل ديمونة النووي الإسرائيلي.

وثالثها، أنها تأتي في وقت يتصاعد فيه تأثير أزمة عدم الثقة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما دفع الأولى إلى تأكيد أن الجولة الثامنة من المفاوضات سوف تتركز على بحث ضمانات عدم الانسحاب الأمريكي مجدداً من الاتفاق، والتأكد من رفع العقوبات الأمريكية. وهنا، فإن إحدى الإشكاليات الرئيسية التي تواجه المفاوضات تتمثل في أن إيران تخشى من أن تتخذ أي إدارة أمريكية، في المستقبل، قراراً مماثلاً بالانسحاب مجدداً من الاتفاق وفرض عقوبات أمريكية جديدة عليها. وفي مقابل ذلك، فإن الولايات المتحدة الأمريكية لا تبدي بدورها ثقة كبيرة في مدى التزام إيران بتعهداتها في الاتفاق النووي، على خلفية اتجاهها إلى تخفيض التزاماتها رداً على العقوبات الأمريكية التي فرضت عليها بعد انسحاب إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووي في 8 مايو/ أيار 2018.

صفقة محتملة

ربما تنتهي المفاوضات الحالية بصفقة جديدة، تعزز من احتمال استمرار العمل بالاتفاق النووي. ويعود ذلك في المقام الأول، إلى حاجة كل من طهران وواشنطن إلى هذه الصفقة، على الرغم من الضغوط والتهديدات المتبادلة بين الطرفين. فمع أن طهران حرصت على توجيه رسائل عديدة بأنها تستطيع التعايش مع العقوبات، بدليل مشروع الموازنة الأخير الذي قدمه الرئيس إبراهيم رئيسي إلى البرلمان لإقراره، والذي يتضمن تصدير نحو 1.2 مليون برميل يومياً، وهي ما يقترب من المستوى الحالي للصادرات الإيرانية، فإن ذلك لا ينفي أن هذا التعايش قد يكون مؤقتاً على نحو يعني أن طهران على المدى الطويل ربما لا تستطيع تحمل تبعات استمرار العقوبات في ظل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها في الفترة الحالية. وقد كان لافتاً أن وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان حرص على تأكيد أن هدف إيران الأهم من المفاوضات هو العودة إلى تصدير النفط؛ إذ قال في هذا السياق إن «تركيز طهران الرئيسي في المحادثات النووية سينصب على رفع كل العقوبات الأمريكية بطريقة يمكن التحقق منها وتضمن قدرة طهران على تصدير نفطها دون عوائق».

أما إدارة الرئيس جو بايدن، فإن لديها رغبة بدورها في الوصول إلى تلك الصفقة، أولاً لتقليص حدة الضغوط التي يفرضها استمرار الأنشطة النووية على المستوى الحالي الذي يسهم في اقتراب إيران تدريجياً من مرحلة امتلاك القدرة على إنتاج القنبلة النووية، وثانياً، لتحقيق هدف سياسي داخلي خاص بإنجاز أحد الملفات التي أعلن بايدن التزامه بحسمها في حملته للانتخابات الرئاسية، وثالثاً لتعزيز موقع الحزب الديمقراطي قبل انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي التي سوف تجرى في العام القادم، ورابعاً لأن ذلك يعفيها من التفكير في الخيار الأكثر خطورة والذي يتعلق باستخدام القوة العسكرية للتعامل مع الخطر النووي الإيراني، وهو الخيار الذي لا يتوافق مع أجندة الإدارة التي تسعى إلى تقليص انخراطها في منطقة الشرق الأوسط لمصلحة الاهتمام بانتقال الثقل الدولي إلى منطقة «الإندو- باسيفيك».

انهيار قائم

لكن هذه الرغبة المتبادلة لا تنفي أن احتمال فشل المفاوضات ما زال قائماً بقوة؛ إذ إن مهمة المفاوضين المشاركين في المفاوضات لن تكون سهلة في تجسير فجوة الخلافات العالقة، في ظل أزمة غياب الثقة التي فرضها التصعيد المتبادل بين طهران وواشنطن منذ أكثر من ثلاث سنوات. وحتى في حالة الوصول إلى توافق مشترك على مبدأ «العودة مقابل العودة» أي عودة إيران إلى الالتزام بتعهداتها في الاتفاق النووي مقابل عودة الولايات المتحدة الأمريكية إلى الاتفاق ورفع العقوبات التي تفرضها على إيران، فإن ذلك لم يعد كافياً لتسوية الأزمة.

إذ تبرز في هذا السياق إشكالية التعامل مع المستوى الجديد الذي وصلت إليه الأنشطة النووية الإيرانية؛ حيث لم تتفق القوى التي تنخرط في المفاوضات بعد على الآلية التي يمكن من خلالها التعامل مع كمية اليورانيوم المخصب بنسب تفوق 3.67% (أي نسبة 20 و60%)، كما لم يتم التوافق حول أسلوب التعامل مع أجهزة الطرد المركزي الأكثر تطوراً التي تستخدمها إيران حالياً في تخصيب اليورانيوم. فهل ستحتفظ إيران بهذه الكميات والأجهزة، أم سيتم التخلص منها، أم سيتم نقلها إلى الخارج؟ وهي أسئلة ما زالت بلا إجابة حتى الآن.

وقت إضافي

هنا، فإن استمرار هذه الخلافات، بالتوازي مع رغبة الطرفين في الوصول إلى صفقة في النهاية، قد يدفعهما إلى التوافق على ضرورة منح وقت إضافي للتفاوض، وربما الوصول إلى اتفاق مؤقت، يتيح تقليص حدة التصعيد، سواء على مستوى الأنشطة النووية الإيرانية أو على مستوى العقوبات الأمريكية، بما يعني وقف تخصيب اليورانيوم بنسب عالية مقابل تقليص حدة العقوبات الأمريكية؛ وذلك لإتاحة مزيد من الوقت من أجل الوصول إلى تسوية لتلك الخلافات، وبالتالي إبرام صفقة شاملة في النهاية.

ختاماً، يمكن القول إن نتائج الجولة الحالية سوف تكشف أياً من هذه السيناريوهات سوف يتحقق في النهاية، وبعدها سوف تتضح معالم التداعيات التي سوف يفرضها ذلك على المنطقة، لاسيما أن المفاوضات وإن كانت نووية، فإن انعكاساتها سوف تبقى إقليمية بامتياز.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"