عادي

تأجيل الانتخابات الليبية.. عودة إلى المربع الأول

23:36 مساء
قراءة 4 دقائق

د. محمد فراج أبو النور

الفشل في إجراء الانتخابات الرئاسية الليبية في موعدها المقرر مثّل خطوة كبيرة إلى الوراء في مسار التسوية السياسية الليبية، وانتكاسة لا شك فيها للجهود الدولية والإقليمية والمحلية، من أجل تحقيق الاستقرار والتسوية وإعادة بناء الدولة في ليبيا.. وبالرغم من أن هذا الفشل كان متوقعاً، من جانب كثير من المراقبين، وكانت بوادره في الأفق طوال الأشهر والأسابيع الماضية، فقد كان طبيعياً أن يؤدي إعلانه رسمياً إلى غضب وخيبة أمل واسعين لدى الليبيين، ما انعكس في تظاهرات جماهيرية حاشدة في العديد من مدن البلاد.

بديهي أن تأجيل الانتخابات سيؤدي إلى مزيد من تعقيد الأزمة السياسية، المتفاقمة أصلاً في ليبيا، كما أنه يمكن أن يمثل تهديداً جدياً للدرجة المحدودة التي تحققت من التهدئة بين «الشرق» و«الغرب»، وأن يؤدي إلى تجدد الصراع المسلح بينهما، ما لم تتم معالجة أسبابه الحقيقية.

الظروف القاهرة

المفوضية العليا للانتخابات أصدرت تقريراً أرجعت فيه فشل إجراء الانتخابات إلى ظروف «القوة القاهرة» التي حاولت الترويج لتفسير لها ينصب على الثغرات في قانون الانتخابات الرئاسية، وتدخل القضاء في عملها خلال الطعون التي قضت المحاكم فيها بشطب ثم إعادة مرشحين على القائمة الأولية التي أصدرتها المفوضية «حفتر والدبيبة» وإدراج مرشح كانت المفوضية استبعدته «سيف الإسلام القذافي»..

غير أن الأمر الأهم بكثير هو أن التحجج بظروف «القوة القاهرة» في تقرير المفوضية يأتي في غير محله، ويتجاهل «القوة القاهرة» الحقيقية التي أفشلت إجراء الانتخابات، وهي قوة الميليشيات الإرهابية «للإخوان المسلمين»، و«داعش»، و«النصرة»، وغيرها من الميليشيات المسلحة القبلية والمناطقية التي أثارت الفوضى في مدن المنطقة الغربية، وهاجمت مقرات المفوضية العليا للانتخابات، وصولاً إلى اقتحام المقر الرئيسي للمفوضية في طرابلس، ثم احتلت مناطق واسعة من العاصمة، قبل الانتخابات بأيام، معلقة إصرارها على منع الاستحقاق الانتخابي.. وهي الميليشيات المتحالفة مع المرتزقة الأجانب.

وبديهي أنه في ظل وجود هذه الميليشيات المدججة بالسلاح والفوضى الأمنية الشاملة التي تثيرها - وكذلك في ظل وجود القوات الأجنبية والمرتزقة- لا يمكن الحديث عن إجراء انتخابات تتسم بالحد الأدنى من النزاهة، أو إجراء انتخابات أصلاً، ما دامت هذه الميليشيات ترفض إجراءها.

وتضيف إلى هذا كله أن البرلمان تلقى في اجتماعه في طبرق (27 ديسمبر/ كانون الأول) تقريراً أمنياً يفيد بوجود مخطط ل«داعش» لمهاجمة المقار الانتخابية في حالة إجراء الاقتراع.. ونعتقد أن هذه هي «ظروف القوة القاهرة» التي يمكن الحديث عنها بجدية. الأمر الذي يؤكد ضرورة تنفيذ بنود «اتفاق جنيف» –(أكتوبر/ تشرين الأول 2020)، وخريطة الطريق ومخرجات مؤتمري برلين وقرارات مجلس الأمن (2570-2471) بخروج القوات الأجنبية والمرتزقة، وحلّ الميليشيات المسلحة، كشرط لإجراء انتخابات ديمقراطية.

ومعروف أن جماعة «الإخوان» تستند في ممارساتها للصراع السياسي، ورفضها لقوانين الانتخابات، ولترشيح خصومها السياسيين، وتعطيها للانتخابات بالقوة، إلى هذه الميليشيات.

و«القوة القاهرة» أيضاً هي القوى الإقليمية والدولية التي ترفض تنفيذ المقررات المذكورة أعلاه، أو تتراخى في تنفيذها، وتدعم «الإخوان».

خريطة طريق جديدة

إزاء فشل إجراء الانتخابات قرر البرلمان الليبي عقد اجتماع لمناقشة تقرير المفوضية العليا للانتخابات، والمجلس الأعلى للقضاء، وتقرير المخابرات حول مجريات العملية.. وبالطبع لوضع خريطة طريق جديدة للمرحلة المقبلة، بما في ذلك مصير حكومة الدبيبة، وموعد إجراء الانتخابات المقبلة.. وانعقد الاجتماع فعلاً بحضور (125 عضواً).. أي بنصاب مكتمل ومعتبر.

وقد انعقد الاجتماع في ظل عودة مهندسة خريطة الطريق الأولى «ستيفاني ويليامز» في منصب جديد، هو مستشار الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية والاقتصادية والأمنية، ودعوتها بدورها لضرورة إعداد «خريطة طريق جديدة» على أساس التوافق بين البرلمان «عقيلة صالح»، والمجلس الأعلى للدولة «خالد المشري»، والمعروف بإصراره على طرح مشروع دستور وضعته لجنة تابعة له.. وهو محل اختلاف كبير للاستفتاء قبل إجراء الانتخابات، أو على الأقل الاتفاق على «قاعدة دستورية» للانتخابات قبل إجرائها - تقضي بإجراء الانتخابات البرلمانية أولاً، ثم الرئاسية، مع إعطاء الصلاحيات الأساسية في السلطة للبرلمان ورئاسة الحكومة، وإعطاء صلاحيات هامشية لرئيس الدولة. كما يتمسك المجلس الأعلى للدولة ببقاء القوات الأجنبية لحين مناقشة وجودها بمعرفة الحكومة الجديدة، ويراوغ في مسألة خروج المرتزقة وحل الميليشيات، ويرفض مطلقاً ترشيح حفتر.

عوامل التوتر

والحقيقة أن معنى هذا كله العودة إلى المربع رقم (1)، واستطالة أمد المفاوضات حول «خريطة الطريق الجديدة» والانتخابات لوقت لا يعلمه إلا الله، تستمر خلالها حكومة الدبيبة -بكل مشاكلها وعيوبها- كما استمرت حكومة السراج.. وهو وضع يعني استمرار كل عوامل التوتر والفوضى الأمنية، ويهدد بتجدد القتال. مفوضية الانتخابات، من جهتها، كانت اقترحت تأجيل الانتخابات حتى (24 يناير/ كانون الثاني 2022)، وهو اقتراح غير مثمر إطلاقاً، لأنه لا جديد يمكن أن يحدث حتى ذلك التاريخ القريب، ولأن المفوضية لم تعلن حتى القائمة النهائية للمرشحين. والحقيقة أن البرلمان يجب أن يناقش الاقتراح الذي قدمه عدد من الأعضاء بإعادة تشكيل المفوضية، بسبب الأخطاء الفادحة التي ارتكبتها، وفي مقدمتها قبول ترشيح الدبيبة.

كما أن من الواضح أن الانتخابات لن تكون قريبة، وبالتالي فإن حكومة الدبيبة التي انقضت ولايتها بحلول (24 ديسمبر) -والتي سبق أن سحب البرلمان الثقة منها في سبتمبر/ أيلول الماضي، والتي تتسم تصرفات رئيسها بتحد للبرلمان، هذه الحكومة يجب أن تذهب - بمقتضى خريطة الطريق- وأن يتم تشكيل حكومة جديدة، بغض النظر عن دعوة الدول الخمس الكبرى لبقاء الدبيبة.. وإذا لم يملك البرلمان الإدارة السياسية الضرورية لذلك فإن ليبيا ستدخل في متاهة لا نهاية لها. كذلك فإن التراخي في تنفيذ المقررات الدولية وخطة اللجنة العسكرية (5+5) لحل الميليشيات وخروج المرتزقة، على الأقل، خلال المرحلة المقبلة (خروج القوات الأجنبية مسألة أعقد وتحتاج إلى دعم أمريكي واضح.. غير موجود) يعني ترك الانتخابات في مهب الريح، فيطيل أمد الأزمة، ويؤخر التسوية. وكما ذكرنا، فإن هذا كله يحتاج إلى إدارة سياسية قوية من جانب البرلمان والسياسيين والعسكريين في «الشرق»، وحلفائهم الإقليميين.

وإذا لم يجد السياسيون والعسكريون وحلفاؤهم الإقليميون الإدارة السياسية والضرورية لاتخاذ هذا الموقف الأمني، فستدخل ليبيا في متاهة معقدة.. ويتم تكريس الانقسام الحالي، وسوف تنتظر التسوية طويلاً.

* كاتب مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"