الأيام المرتبكة

00:48 صباحا
قراءة دقيقتين

لستَ ممن يسعون خلف الحلم لالتقاطه، ولا من المتمسكين بسراب، وإنما القلب المعلق بين محطتين يخاف أن يترك عاماً مضى ترجل فيه الأحباب عند محطة الرحيل، ويدخل عاماً جديداً بدونهم.. إحساس غريب ينتابه، وكأنه يرتكب خيانة بحقهم، يتركهم خلفه ويمشي قدماً. 
القلب المعلق بين عامين يتطلع إلى الآتي من الأيام بنظرة أمل مغلّفة بغصة تأبى أن تفتح مجالاً للهواء كي يمر بسلاسة وحنان. 
يقول لك من يغرق في الملل أو الكسل: «كل الأيام متشابهة» لا فرق بين يوم وآخر، لا فرق بين ديسمبر ويناير أو فبراير، ولا فرق بين عام وآخر.. هي ساعات تتوالى ليمضي العمر وتكتمل دورة الحياة! بينما تعلم أنت جيداً أن الفرق واضح بين اليوم والأمس، بين هذا العام والأعوام السابقة وتلك الآتية. 
الفرق واضح بين أحوالك الآن وأحوالك قبل عام واثنين وثلاثة وعشرة.. وتعلم جيداً أيضاً أن الآتي لن يشبه ما مضى، ولا تتشابه الأيام ولا الساعات ولا الأحداث ولا الأشخاص، وليس بيدك أن تغير قدراً أو تعيد عمراً أو غائباً.
تطوي روزنامة العام أو تتظاهر بأنك تطويها، فالأعوام الفارقة تخرج من طوابير السنين لتدخل إطاراً مزخرفاً فريداً، تعلق نفسها على جدران بيتك وذاكرتك كي تراها في الذهاب والمجيء وكيفما التفتّ، تقول لك: «لا تنس». وكيف لك أن تنسى؟ ربما تتوه منك التواريخ، تزدحم الأيام لكثرة ارتباكها، يسقط منك تاريخ لا تربطه بأيامك المتدحرجة كالحجارة الثقيلة، لكنه ينبهك فجأة إلى أنه هو الذي انتظره، فكيف مر من أمامك ولم تدرك أنه هو؟. 
تخاف أن تقول «الآتي أجمل»، فهل ما مضى وعشته مع أعز الناس لم يكن في دعائك وفي عيني بصرك وقلبك «الأجمل»؟ هو نداء الأمل الذي لا بد أن تلبّيه، لا تقارن بين أمسك وغدك كي تهنأ بهذا «الآتي»، ليست خيانة أن تستمر وتبتهج وتتحدى، فالذكريات تطيب كلما تعتّقت في خوابي الروح والعقل، تتعطر بروائح أبطالها، تنعشك، ترويك فترويها بفرح لكل المحيطين بك، تختلق المناسبات لتقصّها على مسامع من لم يعشها أو يعرفها، تستمد منها قوة وحكمة. 
المعلّق بين عامين لا يطوي الصفحة ليرى الآتي جميلاً، وإنما يكمل كتابة السطور ليستكمل القصة بكل أبطالها، من يعيش معه ومن يعيش فيه، لا يسقط منها أحد، ولن ينسى أحداً؛ بل يزدادون جمالاً وعدداً وأملاً.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"