عام الطاقة

00:11 صباحا
قراءة 3 دقائق

رغم كل التفاؤل باحتمال أن تخف حدة وباء فيروس «كورونا» العام القادم، إلا أن احتمالات التعافي القوي للاقتصاد العالمي التي بدأت مقدماتها هذا العام تراجعت بشكل ما. لم يكن ظهور المتحور الجديد، «أوميكرون»، من فيروس «كوفيد-19» بنهاية العام هو السبب في فقدان النمو لزخمه؛ إذ إن ذلك بدأ من منتصف العام بالفعل لأسباب كثيرة وقبل ظهور الطفرة الأخيرة. ولأن من طبع الفيروسات، كل الفيروسات، أن تمر بطفرات لا تحصى فسنشهد ظهور متحور جديد كل فترة. إنما الأرجح علمياً حتى الآن أنه بمنتصف العام القادم 2022 ستؤدي الطفرات إلى نسخ أضعف من الفيروس، ليتحول ربما إلى وباء موسمي مثل الإنفلونزا ونزلات البرد التي يتحصن الناس ضدها بلقاح سنوي.
المتوقع أن يستقر الوضع في العام القادم، بما يعيد للنمو الاقتصادي زخمه، ولو تدريجياً. المهم، أن ذلك العام أظهر مدى أهمية الطاقة كمحرك رئيسي للعالم، في كل شيء من الاقتصاد إلى غيره. من المنطقي إذاً أن يتوقع المرء أن يكون العام الجديد «عام الطاقة»؛ حيث يحتاج العالم لاستكمال التعافي من الوباء وتبعاته. يعزز من هذا التوقع أن العالم شهد في 2021 اهتماماً كبيراً بالبيئة والتغير المناخي، وفي القلب من هذا الاهتمام تعهدات الحد من الانبعاثات الكربونية التي تسبب الاحتباس الحراري. 
لكن كل ذلك لن يعني أن العالم سيستمر في استهلاك النفط والغاز بكميات أكبر العام القادم، وذلك ما جعل وكالة الطاقة الدولية ومنظمة أوبك تحافظ على توقعاتها بنمو الطلب على النفط في 2022 رغم موجة وباء «كورونا» الأخيرة التي سببها متحور «أوميكرون». وقد شهدنا ذلك بالفعل في عام التعافي، الذي ارتفعت فيه أسعار النفط بأكثر من النصف ما بين أوله وآخره. كما ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي، خاصة في أوروبا، عدة أضعاف. قد يتصور البعض أن الزيادة في تحويل ما يحتاج للطاقة إلى استخدام الكهرباء، من وسائل نقل وغيرها، ستعني تراجع الطلب على النفط والغاز. لكن العكس هو الصحيح. فأغلب تلك الطاقة الكهربائية الإضافية التي يستهلكها العالم إنما يتم توليدها من محطات تعمل بالغاز والنفط. ليس هذا فحسب، بل عاد العالم لاستخدام الفحم الذي اعتبر كثيرون أن عصره انتهى بسبب كثافة الانبعاثات الكربونية منه أكثر من النفط والغاز.
نتيجة أزمة الغاز الطبيعي الصيف الماضي، ونقص إمدادات الكهرباء في أوروبا بسبب توقف محطات توليد الطاقة من الرياح، أعادت دول مثل ألمانيا وبريطانيا وغيرها تشغيل محطات الطاقة بالفحم التي كانت تستعد لتفكيكها في إطار أهداف تقليل الانبعاثات الكربونية. وحاولت الصين مضاعفة إنتاجها من الفحم، في ظل ارتفاع أسعاره بأكثر من الضعف خلال العام. وتتوقع أستراليا، أكبر مصدر للفحم في العالم، أن تجني أكثر من ربع تريليون دولار من صادراتها من الفحم في السنوات القادمة.
 وإذا كان العالم يعود لاستخدام الفحم لتوليد الطاقة رغم أن الانبعاثات منه تقارب ضعف الانبعاثات من الغاز، فالمنطقي أن يكون الاعتماد على النفط والغاز أكبر في السنوات القادمة.
لذلك، بنهاية العام الماضي 2020 كان هناك 65 مشروعاً في 23 بلداً أوروبياً لمد خطوط أنابيب غاز طبيعي بطول 17 ألف كيلومتر، بكلفة تزيد على 80 مليار دولار. هذا غير مشروعات الغاز الطبيعي المسال وإمدادات وتكرير النفط. وإذا كانت السعة الإضافية للإنتاج لدى الدول المنتجة والمصدرة للنفط والغاز تقلصت في السنوات القليلة الأخيرة، فإن زيادة الطلب المتوقعة ستعني ضغطاً أكثر على الأسواق. وتشي كل الإحصاءات والبيانات بأن المليارات التي تستثمر في التحول نحو الطاقة من مصادر متجددة مستدامة مثل الرياح والشمس والمياه والوقود النووي لن تكون كافية لتلبية ربع الطلب العالمي الإضافي على الطاقة.
كل ذلك يدعم التوقع بأن يكون عام 2022 عام الطاقة، سواء من ناحية الطلب على مصادرها التقليدية من غاز ونفط وفحم أو السعي لزيادة إنتاجها من مصادر متجددة ومستدامة.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

يشتغل في الإعلام منذ ثلاثة عقود، وعمل في الصحافة المطبوعة والإذاعة والتلفزيون والصحافة الرقمية في عدد من المؤسسات الإعلامية منها البي بي سي وتلفزيون دبي وسكاي نيوز وصحيفة الخيلج. وساهم بانتظام بمقالات وتحليلات للعديد من المنشورات باللغتين العربية والإنجليزية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"