عادي
د. نصر فريد واصل لـ الخليج:

تعنيف الزوجات يحتاج إلى تدخل شرعي توعوي وتشريعي

23:21 مساء
قراءة 5 دقائق
1

القاهرة: بسيوني الحلواني

كثيرة هي المخالفات والتجاوزات التي تحدث في حياتنا المعاصرة نتيجة الجهل بتعاليم الإسلام، وكثيرة هي المطالب التي تتردد على ألسنة برلمانيين ومثقفين وعناصر فاعلة في تنظيمات المجتمع المدني، وهي تصطدم بتعاليم الإسلام وثوابته، ولذلك لا تجد سبيلها إلى التطبيق لمخالفتها ثوابت دينية يجهل بعض الناس بها.

لذلك يكتسب الحوار مع د. نصر فريد واصل عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف ومفتي مصر الأسبق أهمية خاصة لنتعرف منه إلى الموقف الشرعي من كثير من القضايا والمطالب التي تتردد في مجتمعاتنا العربية الآن ويشهد الحوار حولها جدلاً وخلافاً لا يتوقفان، خاصة أنها متعلقة بالأسرة، حجر الأساس في بنيان المجتمع.

1

* هناك مطالب برلمانية في مصر بمعاقبة الرجل الذي يضرب زوجته بالحبس، هل يؤيد الشرع هذه العقوبة؟

-العنف ضد المرأة عموماً مدان في الإسلام، فشريعتنا الغراء وفرت الحماية للمرأة في أية بيئة تعيش فيها، فلا يجوز لأب أن يضرب ابنته ويقسو عليها بدعوى تربيتها وتهذيب سلوكها، فقد شرع الإسلام وسائل كثيرة للتربية وتهذيب الأخلاق غير الاعتداء البدني، كما لا يجوز لزوج أن يبادر بضرب زوجته بدعوى مواجهة نشوزها، فقبل أن يقدم على هذا السلوك عليه أن يتبع أساليب أخلاقية لعلاج النشوز، وعليه أن يفهم أولاً ما هو الضرب الذي أباحته الشريعة الإسلامية كحل أخير لمواجهة نشوز الزوجة وتمردها على زوجها، فالمباح هو (ضرب رمزي) للتعبير عن غضب الزوج ونفور من نشوز زوجته، وهناك ضوابط شرعية تحيط بهذا التعبير الرمزي من جانب الزوج ومنها تيقنه من أن هذا الأسلوب يفيد في التعامل مع زوجته، ولو كان لا يفيد معها فلا يجوز أن يفكر فيه أصلاً. والواقع أن تنامي ظاهرة ضرب الزوجات في عالمنا العربي يحتاج إلى تدخل شرعي توعوي وتشريعي بعد أن تمادى كثير من الأزواج في ممارسة العنف ضد نسائهم، خاصة أن هناك، للأسف،قناعة لدى كثير من الأزواج بحقهم في ضرب زوجاتهم، أو ممارسة العنف النفسي ضدهن، وهذا أمر يرفضه الشرع ويدينه.

وبما أن ضرب الزوجات دون داعٍ، أو لأسباب واهية خروج على منهج الإسلام، فالذين يفعلون ذلك ويعتدون على زوجاتهم بدنياً ويلحقون بهن ضرراً جسمانياً يرتكبون جريمة تستوجب العقاب التعزيري، لكن الأهم من العقاب التعزيري هو التوعية والتوجيه الديني، فتقرير عقوبة تعزيرية لن تحد وحدها من ظاهرة ضرب الزوجات، فضلاً عن أنها ستؤدي إلى خراب كثير من البيوت.

ضوابط وقواعد

* مادام الإسلام كرّم المرأة ويحرص من خلال تعاليمه وآدابه على حمايتها، لماذا أباح للزوج ضرب زوجته ؟

-الضرب الرمزي بضوابطه الشرعية لا يتعارض إطلاقاً مع تكريم الإسلام للمرأة، وحرصه عليها، وصيانته لها، فغالباً ما يكون هذا الضرب لمصلحة المرأة، ولتهذيب سلوكها، والإبقاء على حياتها الزوجية، فإذا نشزت الزوجة، أي خرجت عن طاعة الزوج، كأن منعته من مباشرة حقوقه الخاصة معها، أو خرجت إلى مكان لا يجب أن تخرج إليه من دون إذنه، أو تركت حقوق الله تعالى، بأن كانت لا تتطهر، أو لا تصلي، أو لا تصوم، أو أغلقت بابها دونه أو خانته في نفسها أو ماله، فالشارع الحكيم أعطاه هنا حق تأديبها، وبين له ثلاث وسائل في قوله سبحانه وتعالى: «وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا

الوسيلة الأولى هي أن يعظها مثلاً بإظهار عدم رضا الله عنها، مبيناً حقه عليها، وما أوجبه الله عليها من طاعتها لزوجها، وبأن الضرر سيلحقها بسقوط نفقتها. وإذا لم تحقق وسيلة الوعظ الهدف، واستمرت على ما هي عليه ينتقل إلى الوسيلة الثانية وهي هجرها في المضجع، فلا ينام معها على فراش واحد، ولا يضاجعها لعل ذلك يكون مؤثراً فيها في رجوعها عن نشوزها. وأما الهجر بالكلام فلا يجوز له أن يهجرها به لأكثر من ثلاثة أيام، لأن النبي صلى الله عليه وسلم بين حرمة ذلك فقال: «لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث».

وإذا لم تصلح الوسيلة الثانية «الهجر» معها، أباح له الإسلام ضربها ضرباً غير مبرح، أي غير شاق عليها، ولا مؤذ لها. أما الضرب المبرح فلا يجوز حتى ولو علم أنها لن ترجع عما هي عليه، إلا بهذا النوع من الضرب، فلو تمادى الزوج وضربها ضرباً مبرحاً فقد أفتى بعض العلماء بأنه يصير في هذه الحالة جانياً، ولها حق التطليق والقصاص فيه، وأعطوه حق الدفاع عن نفسها، ولا حرج عليها في هذه الحالة لو ردت على عدوانه بمثله.

وإذا استعمل الزوج حقه في ضرب زوجته وفق الضوابط الشرعية فعليه أن يتجنب المواضع التي يخاف عليها من هذا الضرب، وكذلك عليه أن يتجنب مواضع الجمال من المرأة، ذلك أن المقصود من إباحة ضرب الزوج لزوجته الناشز التي لم يفلح معها العلاج بالوعظ ولا بالهجر، المقصود هو تأديبها، ومحاولة إصلاحها، وليس المقصود إتلاف جسدها، أو إصابتها بأي تشويه.

وزيادة على ما تقدم، فإن العلماء بينوا أن جواز ضرب الزوجة متوقف على تيقن الزوج من أن الضرب مفيد في إصلاح حالها.

ليست شرطاً

* هناك جدل ديني واجتماعي في بعض البلاد العربية حول حق المرأة في الاشتراط على زوجها عدم الزواج من أخرى، كيف تنظرون إلى هذا الأمر؟

- تعدد الزوجات حق شرعي قرره الخالق عز وجل، ولا يجوز لأحد تقييد الاستفادة منه، فموافقة الزوجة الأولى قد تكون مرغوبة، لكنها ليست شرطاً للتعدد، وكل محاولة لوضع قيود أمام الرجال، غير ما قررته الشريعة في هذا الأمر، عدوان صارخ على شرع الله ومصادرة لحق من حقوق الرجل.

وهنا علينا أن نوضح أن الشريعة الإسلامية لم تأمر بالتعدد، ولم تحث عليه ولم تعتبره فضيلة من الفضائل، وذلك حتى لا تختلط الأوراق في أذهان بعض الرجال الراغبين في الاقتران بأكثر من زوجة دون وجود ما يبرر حاجتهم إلى ذلك، فشريعتنا الغراء تتعامل مع تشريع تعدد الزوجات على أنه حل لمشكلة اجتماعية أو نفسية موجودة عند بعض الرجال، كما أنه علاج لمشكلات كثيرة تعانيها بعض النساء، ولذلك فالإسلام لم يعتبره حقاً مطلقاً للرجل حتى ولو كانت ظروفه المادية أو الجسمانية تسمح بذلك، فالأصل في الشريعة الإسلامية أن يرتبط الرجل بزوجة واحدة، فإذا ما جد في حياته جديد، ولم يجد سعادته معها، وكان له منها أطفال أو كانت مريضة وتحتاج إلى رعاية، أو كانت عاقراً ولكنها ترغب في الاستمرار معه، هنا يجوز للرجل أن يرتبط بأخرى وأن يعدل بينهما.

وعلينا هنا أن ننظر إلى المشكلات الاجتماعية والنفسية التي يعانيها أصحاب الشرائع الأخرى التي تجرم ارتباط الرجل بأكثر من زوجة، أو تجرم تطليقه لزوجته.

وإذا اشترطت المرأة على زوجها عدم الزواج من أخرى فهذا حقها، فالمؤمنون على شروطهم، ولو قبل الزوج هذا الشرط وارتضاه ثم تزوج من أخرى كانت زوجته الأولى بالخيار بين أن تبقى في عصمته، أو تطلب الطلاق. هذا حق لها لا يجوز مصادرته.

* هناك اقتراحات من بعض البرلمانيين بإصدار تشريعات للحد من عدد السكان.. فهل يجوز شرعاً إلزام الأسرة بعدد معين من الأولاد؟

- تنظيم الأسرة بمعنى التباعد بين موعد إنجاب الأولاد مباح وفقاً لظروف كل أسرة، لكن لا يجوز شرعاً إلزام الأسرة بعدد معين من الأولاد، فظروف الأسر والمجتمعات تتفاوت.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"