مدينة العلم ليست وردية

00:14 صباحا
قراءة دقيقتين

يحيى زكي

القارئ في العلم بات يشعر بأنه يشاهد أحد أفلام الخيال العلمي، حيث لم نعد أمام أفكار تبهرنا وتشعرنا بأن المستقبل مبشر وحسب، ولكننا أصبحنا نطالع أطروحات تتناقض مع واقعنا المعروف في تفاصيله كافة، هنا بإمكان هذا القارئ أن يتنقل بسهولة بين من يتحدثون عن الإنسان «السايبورج»، الإنسان المدعم جسده بأجزاء ميكانيكية، ومن يعلنون عن زرع شرائح إلكترونية في العقل أو تحت الجلد للقيام بوظائف معينة، وبين الطرفين هناك الروبوتات والذكاء الاصطناعي، ومن يؤكدون أن متوسط عمر البشر سيتخطى مئة عام قبل نهاية القرن الحالي، ومن يشيرون إلى «خوادم العقل»، وهي تقنية مستقبلية ستغير إحساسنا بالزمن، بما يسمح بالسفر الوهمي عبر التاريخ. 

لقد بتنا نتلمس في حياتنا الراهنة بعض ملامح هذا العالم، وهناك من يتناولونه من جوانب أخرى غير علمية، مثل من يناقشون الحقوق القانونية للروبوتات، والمنظور الأخلاقي والقيمي والديني لبعض تلك الاكتشافات، مثل ما حدث في قضية الاستنساخ. ولكن في وسط كل هذه الصورة الوردية أو المدينة الفاضلة (اليوتوبيا) التي يشيدها العلماء والمتحمسون للعلم والتقنيات الحديثة، جاءت جائحة كورونا لتقول لنا إن تلك الصورة ليست وردية تماماً، وإذا كان البعض يذهب إلى أنه لولا العلم لكانت ضريبة الفيروس أفدح، وأنه لن يمر وقت طويل حتى يجد العلماء الدواء الناجع للجائحة، فإننا لا نستطيع أن نتجاهل مشكلة المناخ.

مع تلك المشكلة نحن أمام صورة نقيضة تماماً، فكل السيناريوهات غير مبشرة. فهناك مدن ستغرق، وأماكن شاسعة ستكون غير صالحة للحياة، وهجرات ضخمة غير مسبوقة في تاريخ البشر؛ بل يذهب البعض إلى أن العالم سيعود إلى وضع أسوأ من القرون الوسطى، وحتى الدول الغنية التي ستتأثر قليلاً بتغير المناخ، ستغلق حدودها وستبني جدراناً عازلة، وربما تستخدم أسلحة فتاكة لوقف الطوفان البشري على حدودها، وسيؤدي ذلك إلى وصول أنظمة شوفينية واستبدادية إلى حكم تلك البلدان.

هنا أيضاً نحن في حضرة فيلم آخر من أفلام الخيال العلمي، ولكن بمذاق كابوسي هذه المرة.

الملاحظ في معظم من يتناولون أزمة المناخ أنهم نادراً ما يتطرقون إلى سؤال العلم، أين العلم من تلك المشكلة؟، البعض يتحدث عن تلك المدن التي يمكن تشييدها في الماء، والبعض الآخر يوصي بخطوات تمنع زيادة درجة الحرارة، ولكن لم يخرج علينا أحد العلماء بأطروحة ما، أو تعلن إحدى المؤسسات أن هناك حلاً جذرياً لتلك المشكلة، هنا تفرض الكثير من الأسئلة نفسها: هل هناك رؤية علمية ما تفرض نفسها في البلدان الغنية توجه المختبرات إلى حقل بحثي دون آخر؟، كيف يتحدثون عن إطالة العمر والإنسان «السوبرمان»، ويتوقفون كل هذه السنوات حائرين أو عاجزين أمام ارتفاع درجات الحرارة؟، هل ستحل كارثة المناخ بالبلدان الفقيرة فقط؟، وبالتالي، فإن تطوير الهاتف المحمول أكثر فائدة وربحية لهم من الانشغال بمشاكل الفقراء.

إن مدينة العلم الفاضلة ليست وردية تماماً، وتسكن في جنباتها تحيزات وسياسات وأيديولوجيات تتناقض مع روح العلم نفسها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"