عادي

كيف تُعلم نفسك المجازفة في عالم التجارة والأعمال؟

21:29 مساء
قراءة 4 دقائق

يقول أشخاص مؤثرون في مجال المال والأعمال: إن المجازفة جزء أصيل من التقدم في عالم اليوم. لكن إن لم تكن المجازفة من طبعك، فكيف يمكن أن تشعر بطمأنينة وأنت تقفز إلى المجهول؟

وفي عالم بات فيه العمل في وظيفة مضمونة مدى الحياة عملة نادرة، لم تعد السبل التقليدية للعمل والوظيفة موجودةً في معظم الاقتصادات المتقدمة. فهل يعني ذلك أن علينا المجازفة لكي نتقدم؟ هذا ما يعتقده بيل أوليت، المحاضر في معهد «ماساشوسيتس للتكنولوجيا».

يُصر أوليت على أن القيام بأشياء بنفس الطريقة التي اعتدنا القيام بها في عصر يتميز بعدم اليقين هو في الحقيقة «أكبر مجازفة يمكن أن تقوم بها».

وهذا الموقف ربما ينعكس على الطريقة التي ننظر بها إلى المجازفين. فأولئك الذين يتحلوّن بالشجاعة الكافية للقفز من علو، يحظون بالتقدير والاحترام، بغض النظر عما إذا كان ذلك أمراً جيداً أم لا. وفي كل الأحوال، فإن اتباع الطريقة الآمنة في التعامل مع الأمور لا يجعل من عملنا شيئاً جذاباً، أو لافتاً للنظر.

فهل كان إيلون ماسك سيحظى بهذه المكانة بين رجال الأعمال حول العالم بالطريقة التي نراه عليها اليوم لو لم يقدم على المجازفة التي جعلت شركاته تقفز بسرعة الصاروخ بعد أن وصلت إلى شفير الإفلاس في عام 2008، لتصبح الآن شركات مثل «تيسلا» و «سبيس إكس» تقدر بالمليارات؟

لذلك، ربما لا ينبغي أن نستغرب من رؤية المجازفة تصبح ظاهرة عالمية معاصرة. فثقافة رجال الأعمال المبتدئين القائمة على فلسفة (ابدأ كبيراً وإلا فلا تبدأ) أوجدت وعززت العقلية التي تقول إن المجازفين وحدهم هم من يحصدون الجوائز.

أما من لا ينتهزون الفرص فهم في طريق «الفشل المحقق»، كما يقول مؤسس «فيسبوك»، مارك زوكربيرج.

لكن ما الذي يلزم ليكون الواحد منا مجازفاً؟ وهل من الممكن أن يحوّل الواحد منا نفسه إلى شخص مجازف؟

إن قدرتنا على اقتناص الفرصة، وأن نكون مطمئنين تجاه المجهول، أو النتائج غير المعروفة، تتأثر ببنيتنا النفسية، والوظائف الحيوية داخل أجسامنا، والثقافة التي تربينا عليها، والقبول المجتمعي الأوسع للتصرفات التي تنطوي على المجازفة.

وقد توصل الباحثون على سبيل المثال إلى أن مستويات هرمون الذكورة (تيستوسترون) لدى الواحد منا مرتبطة مباشرة برغبتنا في المخاطرة. وبما أن مستوى هذا الهرمون لدى الرجال أعلى منه عند النساء، فإنه غالباً يمكننا أن نتصرف باندفاع بناءً على معلومات ناقصة، مع أن الجنسين لديهما نفس الرغبة في المخاطرة.

كما تتأثر رغبتنا في المجازفة بتجاربنا الخاصة، وبمخزون عواطفنا الفردية. فربما كان والداك لا يحبان المجازفة، أو ربما تكون أقدمت على مجازفة لم تتكلل بالنجاح، مما يجعلك حذراً عندما تواجه لحظة الاختيار بين أن تتقدم أو تحجم.

كما أن هناك العوامل الثقافية، فربما تكون منحدراً من مجتمع أو جماعة اجتماعية تفضل النجاحات الآمنة التي لا تنطوي على مخاطرة أو مجازفة في حياة الإنسان المهنية والمالية أو الشخصية، على الفرص القائمة على مبدأ المحاولة والخطأ.

وفي بعض البيئات، مثل وادي السيليكون في كاليفورنيا، تعتبر المجازفة أمراً أساسياً وضرورياً للنجاح في ثقافة أرباب الأعمال ومؤسسي الشركات الجديدة والتي تزدهر هناك.

وبالنسبة لأولئك الذين ليسوا مجازفين بطبيعتهم، هناك بعض الطرق تجعلك تشعر بالطمأنينة للإقدام على المجازفة. وبإمكانك في حدود ضيقة تعديل ردود الفعل النفسية التي ربما تبعدك عن القيام بالمجازفة، وذلك عن طريق إتقان بعض الأمور النفسية أيضاً.

وثبت أن السلوكيات التي نقوم بها ونحن في كامل تركيزنا فيها، إلى جانب العيش بنمط حياة صحي، تعد أموراً فعالة في التحكم في كميات الأدرينالين، والكورتيزون، المرتبطين بالتوتر، ويفرزان عندما نكون تحت ذلك النوع من الضغط المصاحب للمجازفة أو المخاطرة.

وبمعنى آخر، يمكن للتركيز الذهني أن يبقي مستوى هرمون الكورتيزون والأدرينالين منخفضاً، وهكذا تبقى صافي الذهن لاتخاذ قرارات ذكية، بما فيها بعض المجازفة الضرورية لتحقيق النجاح في عالم المال والأعمال الغامض في هذا العصر.

ويقول سريني بيلاي، مؤلف كتاب «تعلم أكثر، فكر أقل: أطلق العنان لقوة العقل المشتت»، وهو أيضاً أستاذ علم النفس المساعد في كلية الطب في هارفارد: «تلعب العوامل الحيوية دوراً متناهي الصغر في قدراتك على المجازفة، مقارنة بالعوامل البيئية».

ويعتقد بيلاي أن إحدى الوسائل الفعالة التي يمكن بواسطتها تحصين أنفسنا ضد التوتر الذي يمكن أن تسببه المجازفة تتلخص في استنفار قوة عقلنا المشتت.

ويدربنا دماغنا الواعي على التركيز واستخدام دروس من تجارب سابقة لاتخاذ قرارات أفضل. لكن طبقاً لبيلاي، يعتقد غالبية الخبراء بمن فيهم مايكل جازانيجا، أحد أشهر المتخصصين في علم الأعصاب المعرفي، أن ما بين 90 % و98 % من الأنشطة الذهنية التي نقوم بها هي أنشطة غير واعية.

ولكي تصبح مجازفاً أفضل، من الضروري جداً أن تدع اللاوعي يُسيطر على تفكيرك أحياناً، مما يساعد دماغك على انتقاء ذكريات منسية منذ زمن، والربط بين الأفكار المختلفة في ذهنك. ومن بين الخطوات التي يقترحها بيلاي لتفعيل عقولنا اللاواعية نوم القيلولة، والاسترخاء، وحتى تقمص شخصية معينة، فقد توصلت دراسة في العام 2016 إلى أن الناس يكونون أكثر نجاحاً في حل المشاكل، وفي ممارسة المجازفة الذكية، عندما يتصرفون كشاعر غريب الأطوار، وليس كأمين مكتبة حازم وقاس.

ويقول بيلاي: «الدماغ مصمم على النحو الأمثل ليقدم على كل من المجازفة واليقين، التركيز وعدم التركيز، ومن الضروري جداً أن يتعلم كل إنسان كيف يوازن بين طرفي المعادلة».

وهناك تحد واضح تواجهه عندما يتعلق الأمر بالتغلب على ماضيك وتجاربك السيئة مع المجازفات السابقة. ومن المستحيل أحياناً التأثير في وجهات نظر أصدقائنا، وعائلاتنا، وزملائنا عندما يتعلق الأمر بالإقدام على المجازفة. لكن ما نستطيع تغييره هو الطريقة التي نفكر بها في هذه العناصر، وردود فعلنا عليها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"