الشعر ضد انقراض اللغات

00:01 صباحا
قراءة دقيقتين

1500 لغة في العالم مهدّدة بالانقراض عند نهاية القرن الحالي بحسب دراسة أشرفت عليها إحدى الجامعات الاسترالية، لكن الدراسة، ووفق خبر (وام)، لم تذكر بلدان أو قارّات هذه اللغات، وعلى الأرجح أنها لغات جغرافيات ضيّقة أو محدودة تقطنها أقليات قبلية أو سكانية ذات لغات محدودة أيضاً من حيث الثقافة والانتشار.
 في كل الأحوال. ومهما كانت أهمية لغة ما في العالم، أو هامشيّتها ومحدوديتها يطرح المرء سؤالاً على نفسه: لماذا تنقرض اللغة؟ وما الذي يحفظ اللغة من الموت، ويبقيها على قيد الحياة، بوصفها كائناً «أبجدياً» حيّاً، وليست مجرّد حرف وصوت وإيقاع لغوي لا بدّ منه في الحياة، والكتابة، بل لا بد من اللغة التي تحفظ الشخصية الثقافية والهوية السيادية لأي شعب من الشعوب؟ 
 ببساطة، أو، بتبسيط، تنقرض اللغة لأن الناطقين بها يتخلّون عنها، أو لأنها تخضع إلى استعمار ثقافي يتوازى تماماً مع الاستعمار الجغرافي، وتنقرض اللغات لأنّها تتعرّض إلى حملات إبادة ممنهجة تتوازى، أيضاً، مع منهج إبادات الشعوب والثقافات. 
 تنقرض اللغة حين تهيمن عليها لغة أقوى منها، والأسوأ من ذلك، تنقرض اللغة وتتغرّب، وتموت رويداً رويداً مثل أي كائن بشري حين يرتمي الناطقون بها في أحضان اللغة الأقوى. لغة النفوذ والهيمنة، والسلطة. 
 تنقرض اللغة أيضاً حين لا تتجدّد، وحين تنقطع روحها عن روح العصر، وحين تتجمّد في الفكر الأحادي الجامد الذي يرفض القوانين الطبيعية للحياة، ومن بينها، الحداثة، والمعاصرة. 
 كيف تحمي لغة من الانقراض؟ تحميها بالأدب، وتحديداً بالشعر.  الشعر يحمي اللغة ويحول دون انقراضها حين يتحوّل إلى غناء شعبي، وثقافة جمالية نخبوية، وحين يتحوّل إلى هوية ونوع من كبرياء اجتماعية، وحين يصبح امتيازاً، وعلامة، وسيادة. 
 إلى اليوم، وعلى الرغم من مرور مئات السنوات على إبادة الهنود الحمر، ظلّت روح الهندي الأحمر حية، وقوية بالشعر، وبالأغاني الشعبية التي كتبها أو قالها في الأصل شعراء. 
 نعم، الأديان أو بعضها أو الكثير منها لا فرق، تحفظ اللغات، لكن الشعر يحفظ اللغات ويحفظ الذاكرة أيضاً، لا بل إن الكثير من نصوص الأديان هي في الأصل تحمل روح الشعر. 
 مناهج التعليم تساعد على الحيلولة دون انقراض لغة ما، لكن من المؤكد أن هذه المناهج تصدّ هذا الانقراض عملياً وسلوكياً وثقافياً إذا كانت هذه المناهج تدرّس الشعر. 
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"