ثقافة التعايش مع «كوفيد ـ 19»

00:23 صباحا
قراءة دقيقتين
افتتاحية الخليج

اكتسب مفهوم التعايش مع فيروس «كوفيد-19» اهتماماً متعاظماً خلال الفترات الماضية، سواء كان ذلك على مستوى الحكومات أو المنظمات الدولية أو الشعوب والأفراد، باعتبار أنه يمثل البديل الذكي لطريقة التعامل السابقة مع الوباء إبان ظهوره الأول أو خلال ظهور متحوراته المتعددة وانتقالاتها من مكان إلى مكان.

ومن دون الوقوع في مبالغات لفظية، فإنه يتعين الاعتراف بأن ظهور فيروس «كوفيد-19» قد أحدث تغييرات كبيرة في الكثير من سلوكياتنا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية طوال سنتين وأكثر وقد تمتد تأثيراته المستقبلية إلى وقت غير محدد.

وعلى الرغم من أن التدابير التي اتخذتها الحكومات للسيطرة على الوباء كانت ضرورية في حينها، إلا أنها سببت ارتباكات كبيرة على مستويات متعددة وخسائر اقتصادية باهظة. لكن ومع ظهور ترسانات اللقاحات والأدوية المضادة، بدأت ثقافة التعايش تشق طريقها وسط الحكومات والمجتمعات وتدعم خيار الانتقال من حالة الفزع والصدمة والتشدد الإجرائي، نحو مرحلة الثقة والمرونة والتعايش الذكي واستعادة نمط الحياة الطبيعية.

وفي الأسبوع الماضي شكلت كوريا الجنوبية لجنة لوضع استراتيجيات تعايش طويلة المدى، ومعاودة فتح الاقتصاد. وتهدف الخطة إلى التخلي التدريجي عن القيود الصارمة مع الزيادة في أعداد الذين تلقوا جرعات تطعيم كاملة وبالتالي ارتفاع مستويات المناعة في المجتمع.

وقال رئيس الوزراء الكوري الجنوبي كيم بو كيوم إن بلاده ستحول «كورونا» إلى مرض معدٍ تحت السيطرة وستعيد المواطنين للحياة الطبيعية الكاملة. وتعني هذه السياسة الجديدة التي اعتمدتها سيول أن «كورونا» سيصبح مثل الأمراض الأخرى المستوطنة كالإنفلونزا والملاريا في أجزاء أخرى وهي أمراض لا تثير الخوف ولا تعرقل مسارات الحياة الطبيعية.

وكوريا الشمالية ليست هي الدولة الوحيدة التي ابتكرت العمل بسياسة التعايش، فقد اتخذت بريطانيا خطوات هامة على ذات الطريق. وركز وزير الصحة البريطاني ساجد جاويد قبل أيام على أهمية اعتماد ثقافة التعايش مع الفيروس عبر حملات التطعيم والاعتماد على ترسانة العلاجات المتوفرة.

وفي معرض التنظير لاعتماد ثقافة التعايش، ينصح الباحث البريطاني البروفيسور كارل هينجان، باعتماد استراتيجية تقوم على تقبل وجود الفيروس مع العمل على تقليل مخاطره إلى الحد الأدنى، بدلاً عن الاستراتيجية السابقة التي كانت تركز على محاولة محاصرته، وكانت تدفع الحكومات إلى الذعر مع اكتشاف أي زيادات في عدد الإصابات وتسببت في أنواع مختلفة من الفوضى. والحجة التي طرحها البروفيسور هينجان وعدد من الخبراء الآخرين هي أنه يجب التركيز على المرض نفسه وليس متابعة حالات الإصابة.

يجدر القول هنا، إن تأثيرات ظهور الفيروس لم تكن كارثية بالمجمل، فقد أشار خبراء إلى جوانب إيجابية تمثلت خصوصاً في كونه كشف هشاشة البنية التحتية لهياكل الصحة في العديد من الدول وحفّز على إعادة بناء وتأهيل مراكز الرعاية وخدمات الصحة ومراجعة الخطط والاستراتيجيات لمواجهة أي أخطار صحية في المستقبل، وساهمت المبالغ المالية المرصودة لهذه الغرض والتي دخلت في الدورة الاقتصادية بالفعل، في إنعاش الاقتصادات المحلية ودعمت استقرار الاقتصاد العالمي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"