عام قديم يتجدد

00:21 صباحا
قراءة 3 دقائق

عبدالله السويجي

عام جديد في التقويم الميلادي، احتفل العالم به بألعابه النارية فرحاً، لماذا الألعاب النارية؟ لا أحد يدري، لماذا النار تأخذ نصيب الأسد في احتفالات البشرية وخصوصاً الدول العظمى؟ لا أحد يدري، ولا نريد الخوض في تاريخ استخدام النار منذ الأسطورة الأولى حتى اليوم، لكن الحقيقة تقول إن البشر يودعون عاماً ويستقبلون آخر على وقع إطلاق صواريخ افتراضية من الأرض للسماء، بينما العالم كله محشوّ بالصواريخ الحقيقية الحاملة للرؤوس النووية، ولا أحد يخطط للاحتفال بالتخلص منها؛ بل تعمل الدول المصنعة على مراكمتها، إما للهجوم وإما للردع، لماذا تكون وسيلة الردع أو الهجوم نارية أو نووية؟ إنه تهديد بالقتل والموت، إما للقتل أو منع القتل. 

لماذا لا توجد هناك وسيلة غير النار للدفاع أو الهجوم؟ لماذا يكون معيار الانتصار هو القتل والتدمير في القرن الواحد والعشرين، قرن الفتوحات العلمية والثورات الإلكترونية؟ هذا هو طبع البشرية منذ أن تعلمت العيش في مستوطناتها وداخل أسوارها وحدودها، كيف رُسمت الحدود؟ هل للحماية والتحصّن، أم للدفاع ضد الغير؟ هناك إذن تهديد دائم من الإنسان لأخيه الإنسان، والنتيجة، لم يتعلّم الإنسان العيش بسلام مع أخيه، أو جاره القريب، أو الآخر البعيد. هل بسبب الأطماع؟ أي الاستيلاء على ما هو ليس له بالقوة لينعم بالثروة ويؤمن حاجاته؟ هذا يحدث منذ آلاف السنين أيضاً، الإنسان يحصل على حاجاته على حساب الإنسان، وبالقوة، ويحقق رفاهيته على حساب غيره، أيضاً بالقوة، بشكل أو بآخر.

يبدو العالم وفي مقدمته الدول الكبرى فرحاً وهو يودّع عاماً ويستقبل آخر، ويتظاهر بالسلام، لكنه في الخفاء يخوض حروباً أو يحضّر لحروب، وقد تجاوزت طموحات الإنسان تحقيق الرفاهية أو الاكتفاء الذاتي، نحو الاستحواذ المستدام على ثروات الآخر، وجميعنا يعلم الأصوات الظاهرة أو الباطنية أو المخفية أو المتخفّية، التي تدعو إلى تقليل أعداد البشرية إلى الثلث! وتحدد هذه الأصوات الجغرافيا التي يجب مسح البشرية عن تضاريسها، لتصبح في خدمة شعوب أخرى. ويقولون إن العنصرية آخذة في الاختفاء، وإن صحت تلك الأصوات نقول إن العنصرية آخذة في التجذّر، ولا تستند هذه المرة على النقاء الجيني أو نقاء الدم إنما على القوة.

وُجد مجلس الأمن ومنظمة الأمم المتحدة وأخواتها من أجل نشر الأمن، وإرساء العدالة، والتعامل مع الحدود التي أحاط بها الإنسان نفسه ليحقق الحماية، بشرعية، بينما فشل مجلس الأمن منذ تأسيسه في تحقيق الأمن والأمان على مساحات كبيرة في العالم، وإذا أردنا التخصيص، نجح في تحقيق الأمن في قارتي أوروبا وأمريكا وفشل في تحقيقه في آسيا وإفريقيا، والشواهد موجودة، وأكبر فشل واجهه مجلس الأمن ولا يزال في فلسطين، فبعد سبعين عاماً على القضية الفلسطينية لم تتمخض جلسات المجلس أو فعاليات الأمم المتحدة عن إرساء السلام هناك، والفلسطينيون هم الشعب الوحيد في العالم، الذي لا يعيش في دولة خاصة به، داخل حدود واضحة هي حق شرعي له، وتحت حكومة تدير شؤونه بحرية واستقلال، بينما إسرائيل تحتفل كل عام بالعام الجديد، ولا أدري كيف احتفل الفلسطينيون بالعام الجديد، بأي فرح أو أمل، لكنهم أطلقوا الألعاب النارية بالتأكيد..

العرافون متشائمون تجاه العام الجديد، يتنبأون بكوارث وحروب وفواجع، العرافون يدعون قراءة الغيب، لكنهم يقومون بالتحليل السياسي المتقدم، يتأملون في الصراعات والنزاعات، وبما فعلت البشرية بالكرة الأرضية، الإنسان استغل الكرة الأرضية كما لو أنه سينتقل للعيش في مكان آخر بعد انتهاء (الكلأ والماء)؛ بل إنه احتكرها وابتزها وحلبها حتى كاد ضرعها أن ينشف، ثم أطلق تحذيرات عن نقص في المياه وحروب المياه، ونقص في الغاز وحروب الغاز، ونقص في الغذاء وحروب الغذاء، في ظل غياب العدالة في توزيع المياه واستخدامها، واستهلاك الطعام وغيره، فمن سينادي بتشكيل محكمة لمقاضاة هذا الإنسان، لما فعله في أمه الأرض؟ والحديث ذو شجون، وكل عام وأنتم بخير

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"