منطقة الخليج.. محرّك تكوين الثروات في بيئة سريعة التغير

فؤاد نقولا طراد *

أدّت حركة الانتعاش غير المسبوق التي شهدتها أسواق الأوراق المالية خلال العام الماضي إلى تعزيز ثروات المستثمرين من ذوي الملاءة المالية العالية.

وفي ظل نمط النمو الذي يسود الأسواق العالمية، حققت منطقة الشرق الأوسط أداءً قيادياً متميزاً، فبرزت كقوة رئيسية في مجال تكوين الثروات إذ ارتفع إجمالي معدل الثروات في المنطقة بنسبة 17.2%، كما سجلت المنطقة زيادة في عدد المستثمرين وصلت إلى 13.2 في المائة، وفقاً لأحدث تقرير عن الثروة العالمية من شركة «كابجيميني» (Capgemini).

ولعل أكثر ما يثير الاهتمام إلى جانب هذه الإنجازات المبهرة سرعة التحول التي تشهدها المنطقة والتي أصبحت بمثابة محرّك رئيسي لتكوين الثروات في ظل الاضطرابات الأوسع نطاقاً التي تشهدها الأسواق.

فمع بدء تطبيق مبادئ الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات (ESG) وتوسع طاقات رواد الأعمال في الألفية الجديدة وظهور العملات الرقمية، سلطت معالم التغيير الضوء على الحاجة الملحة إلى مواءمة ممارسات العمل التي ينتهجها مديرو الثروات في المنطقة سواء في دبي أو في الرياض أو غيرهما، لتتماشى مع الاتجاهات الجديدة في السوق.

وتمثل الاقتصادات الخليجية، بشكل خاص، نموذجاً مصغراً للتغير الأوسع نطاقاً في مجال تكوين الثروات، حيث يستفيد جيل جديد من رواد المشاريع من الآثار المتبقية من رؤوس الأموال الاستثمارية التي سرعان ما حظيت بتوسع كبير لتتحول من مجرد أمواج عابرة إلى إعصار تسونامي.

لقد شهد هذا القطاع نمواً ملحوظاً تزامن مع بدء انتشار الجائحة التي فرضت تحديات جديدة على الشركات والمؤسسات التي أُجبرت على إغلاق أعمالها وصرف العاملين لديها.

أما في منطقة الخليج، فقد شهد السوق تهيئة نظام إيكولوجي جديد لدعم الشركات الناشئة التي أخذت في الازدهار في مجالات مبتكرة مثل المطابخ التي تعمل بالسحابة، وشركات التكنولوجيا الزراعية، وشركات التكنولوجيا المتقدمة، وما لبثت أسماء تجارية جديدة أن أخذت في الصعود لتثبت أن نجاح ريادة الأعمال ينبع من التجارب المكتسبة أثناء المحن والضائقة.

ففي العام الماضي، نجحت أكثر 50 شركة ناشئة تمويلاً في الشرق الأوسط، كما ورد تصنيفها على قائمة فوربس، في الحصول على تمويل يزيد على 959 مليون دولار، بينما تمكنت الشركات ال10 الأولى في القائمة من جمع تمويل يعادل أكثر من نصف هذه القيمة.

وقد تصدرت القائمة شركة التقنية الزراعية (Pure Harvest Smart Farms) بعد أن نجحت في تأمين أكثر من 135 مليون دولار، لتستخدمها في تمويل خططها التوسعية الطموحة. أما شركة «نعناع» (Nana) للتسوق الإلكتروني فتصدرت الشركات السعودية في القائمة من حيث التمويل، بعد أن نجحت في جمع 28.9 مليون دولار. وتسلط هذه الأرقام الضوء على الأهمية المتنامية لهذه الشريحة من العملاء في المنطقة والحاجة إلى قيام مديري الثروات بتكييف عروضهم وفقاً للاحتياجات المحددة والمتنامية لهذه المجموعة الموهوبة من رواد الأعمال.

كما تشهد منطقة الخليج ارتفاعاً ملحوظاً في معدل السيدات على القائمة العالمية لعملاء إدارة الثروات.

فبحسب تقرير شركة «كابجيميني» (Capgemini)، ارتفع عدد السيدات في مجال ريادة الأعمال في الولايات المتحدة إلى ما يزيد على 114 في المائة عما كان عليه قبل 20 عاماً. كما أن 40% تقريباً من المشاريع التجارية في الأسواق الاقتصادية الكبرى حول العالم هي مشاريع مملوكة للسيدات.

كما يشهد تمثيل الإناث في الشركات الناشئة الجديدة وضمن المراكز القيادية في الشركات الحالية ارتفاعاً سريعاً في مختلف دول الخليج، ولو أن مستوى التمثيل جاء بدرجة أقل بكثير من مناطق أخرى.

وتركز برامج التحول الاقتصادي والاجتماعي التي تعتمدها بلدان مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية تركيزاً شديداً على زيادة مشاركة المرأة في الاقتصاد، بينما يشهد السوق أيضاً ارتفاعاً في عدد المشاريع الجديدة التي تؤسسها السيدات. وكذلك شاركت السيدات في تأسيس 8 شركات من بين الشركات الناشئة المدرجة على قائمة أكثر 50 شركة ناشئة تمويلاً في الشرق الأوسط التي أعلنت عنها فوربس العام الماضي.

إن الأحداث غير المسبوقة التي وقعت في العام ونصف العام الماضيين غيرت نمط حياتنا على نحو لم نكن لنتوقعه.

كما أدت الجائحة إلى تغيير معالم الممارسات والأشياء التي نقدرها، بما في ذلك عالم الاستثمار. ويكفي أن ننظر إلى النمو الهائل لإستراتيجيات الاستثمار التي تقودها مبادئ الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات، لكي ندرك مدى سرعة التحول الذي يشهده قطاع الشركات والقطاعات الأخرى.

إن هذه الاتجاهات الناشئة تؤثر بسرعة كبيرة على أساليب التفاعل التي يتبناها المستشارون في علاقاتهم مع عملائهم، كما أن حركة التحول هذه تسير بخطى واضحة في هذه المنطقة بشكل خاص.

*رئيس منطقة الشرق الأوسط في إندوسويس لإدارة الثروات