لرضوى في الكتاب مكان

00:12 صباحا
قراءة دقيقتين

للراحلة رضوى عاشور مكان في قلوب محبيها وقرائها في شتى الديار العربية. حضورها لدى القراء والناس وفي المشهد الأدبي بعد رحيلها، لم يقل وإنما زاد. ها هي كتبها تصدر في طبعات جديدة وتتصدر واجهات العرض في المكتبات.
هذا هو شأن الكبار من الأدباء والمبدعين، نساء كانوا أو رجالاً، كأن رحيلهم إيذان ببدء حيوات، لا حياة واحدة، لما أبدعوه، كأن الندم ينتاب من لم يقرأوا أعمالهم وهم على قيد الحياة، وفي نوع من التكفير عما يحسبونه تقصيراً، ينصرفون نحو قراءة هذه الأعمال، خاصة إذا كان رحيل هذه القامات سريعاً وغير متوقع، كما هو الحال مع رحيل رضوى التي باغتها السرطان الخبيث وهي في ذروة عطائها، هذا دون أن نتحدث عن أجيال جديدة نشأت وكبرت بعد رحيل هذه القامات عن الدنيا.
ليس باعثاً على الغرابة أن تحضر رضوى عاشور في كتاب عن نساء مبدعات، عربيات وغير عربيات. الباعث على شيء من الدهشة هو أن تحضر في كتاب يتناول موضوع «الكاتبات والوحدة»، كما هو الكتاب الذي وضعته الكاتبة المصرية نورا ناجي، وهو عبارة عن مجموعة مقالات تناولت فيها سيرة عدد من الكاتبات من منظور الوحدة بالذات، التي عانينها بنسب مختلفة في حياتهن، وكان لها أثر في ما خلفوه من أعمال أدبية.
مؤلفة الكتاب نفسها انتبهت إلى هذه المفارقة، فهي تقرّ بأنها عندما فكرت في وضع كتابها، «لم يكن لرضوى عاشور مكان فيه»، فهي وإن كانت واحدة من أفضل الكاتبات العربيات بالنسبة إليها، وأقربهن إلى روحها، لكنها كانت واثقة بأن رضوى لم تعان في أي وقت من أي شعور بالوحدة والعزلة، فهي «السيدة التي تلقي بنفسها في الحياة بشجاعة، وتستقبلها بكل مشاكلها ومعاناتها وأزماتها بابتسامة»، وهي «الأستاذة المحاطة بمئات من طلابها.. الزوجة المحبوبة، والأم العظيمة؛ الكاتبة الأهم لدى المريدين»، ورضوى «لا تجد وقتاً للوحدة فهي محاطة بالناس في كل الأوقات والأماكن».
إذن كيف أصبح لرضوى في المكان كتاب؟ بعد قراءة نورا ناجي للسيرة الذاتية التي كتبتها رضوى عاشور بعنوان «أثقل من رضوى»، أعادت النظر في الأمر. ففي السيرة تُقر رضوى بأنها «قلقة تثقلها المخاوف ووطأة مجريات الحياة، مصابة باكتئاب من نوع ما، لكنها لا تأخذه مأخذ الجد ما دامت قادرة على مغالبته أو تجاهله».
في مكانه كان استنتاج مؤلفة «الكاتبات والوحدة»، حين لاحظت أن حزن رضوى لم يكن مرتبطاً بحياتها الشخصية، بقدر ما هو ناجم عن شعورها بمسؤوليتها عن الناس، والمؤلفة محقة أيضاً في «أن الوحدة ليست كياناً منفصلاً يسكن الروح المرهفة؛ بل هي جزء أساسي منها».
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"