عادي
أعمال تستوحي مفردات البيئة

وجوه تعزف الحنين للأمكنة في «الفنون الإسلامية»

22:55 مساء
قراءة 4 دقائق

الشارقة: علاء الدين محمود
عمل عدد من الفنانين خلال مشاركتهم في النسخة 24 من مهرجان الفنون الإسلامية على مقاربة فكرة المكان في أعمالهم، حيث نجد ذلك الإحساس المرهف الذي يعلن، عبر اللوحة أو التكوين، عن تعلقه بمكان ما، قد يكون مرتع طفولة، أو جهة قصدها أحدهم فعلقت في ذاكرته، أو استعادة لمشاهد قديمة لمنزل أو موقع أو منطقة أو مدينة أو قرية، فنكاد نشتم رائحة المكان تنداح في ألوان وتموجات العمل الإبداعي.

الفنانة فاطمة الحمادي، قدمت عملاً يحضر فيه المكان بكل جمالياته، أطلقت عليه اسم «إحساس حرف»، مستوحى من تلال الصحراء المتناغمة والمتموّجة، حيث تتدرّج فيه الأبعاد والمعاني اللونية معبرة عن رؤية جمالية ودفق شعوري تجاه التلال والرمال.

ويعكس العمل الحروفي المملوء بتفاصيل إبداعية لمعة الرمال، وانعكاس أشعّة الشمس الصفراء المتلألئة بتداخلات حروفية، وتمازجها مع بعضها بعضاً، عزفتها فرشاة الحمادي بهدوء ورقيّ للوصول إلى عين المشاهد بتدرّج أنيق لترسم في وجهه الدهشة وفي دواخله الإعجاب بتلك القدرة الرهيبة في التعبير عن البيئة الصحراوية وجمالياتها.

وتشير الحمادي إلى أنها قد اعتمدت بصورة كلية على موضوع المهرجان وثيمته «تدرّجات» في تنفيذ عملها، وهو ما نراه ماثلاً في جدارية امتلأت بالتدرّجات الحروفية واللونية في آن معاً في تمازج بديع يملأ العين جمالا ويحتشد بالمعنى والفكرة، وتقول الحمادي: «دمجت في الجدارية البيئة، مع اللون، مع الحرف، في تناغم وتدرّج ينقلنا بهدوء من الظلام إلى النور، ومن الصغير إلى الكبير، ومن القريب إلى البعيد، بمشاعر تتّسم بالأصالة».

حداثة

الفنانة عفراء الظاهري الحاصلة على درجة الماجستير في الفنون الجميلة، ترصد عبر أعمالها الفنية التي قدمتها في المهرجان والتي أطلقت عليها اسم «مد وجزر»، تغير المكان في عصر السرعة والحداثة، ويأخذها الحنين إلى ذلك القديم، وينبع عمل عفراء من خبراتها التي نشأت وتشكلت في إمارة أبوظبي، وهو المكان الذي يشهد تغيّرات سريعة وحديثة، بالتالي فالرؤية الإبداعية التي قدمتها هي نتاج تأمل في الأمكنة واستنطاق لها وبحث عن ماضيها الذي انطوى ولم يترك غير الأثر، فالتكوينات والتجهيزات الجمالية ناتجة عن ذلك الأثر الباقي.

وتعمل عفراء عبر وسائل مختلفة بما في ذلك النحت، والرسم، والتجهيز الفنّيّ، والتصوير، والطباعة، كما ترسم مفاهيم متناقضة مثل الثبات والتحوّل- المتانة والهشاشة.

رؤية

الفنان السعودي عبد الله العثمان، يرصد مشاعر الحنين إلى المكان، ويسافر إلى حقب تاريخية شهدت ازدهاره، ويحاور الأطلال والمعالم التي بقيت، وذلك ما فعله من خلال العمل الذي أطلق عليه اسم «أرض الخيال».

والعمل الفني يعكس عبر تكوينات وتفاصيل إبداعية، الحالة الوجدانية لدى الفنّان تجاه الأندلس، كما يسرد المفارقة التي يمكن تلخيصها عند التقصّي عن كلمة «الأندلس» في أيّ محرّك بحث إلكتروني، حيث تأتي النتائج على النحو التالي: «الأندلس/ مول الأندلس»، إضافة إلى مسميّات أخرى.

وما دفع العثمان نحو انجاز العمل هو ذلك الاختلاف الهائل في التاريخ والقصّة والمكان، واستخدام اسم «الأندلس» لمحالّ تجارية ضخمة ومرافق حيوية وغيرها، فتوظيف الاسم يعني أن هناك مشاعر إيجابية كامنة في نفوس الكثيرين تجاه الأندلس المكان الذي يعني لهم الكثير.

ويستحضر العثمان عبر العمل مدلولات وتوظيفات كلمة «الأندلس»، التي تم استخدامها في أماكن ومحلات تجارية وغيرها، ويوضّح هذا الأمر بالقول: «في حين تطوّرت الأندلس من كونها حضارة إسلامية خالدة لتستخدم كاسم لمركز تسوّق في الرياض،، لذلك ما يتبادر إلى الذهن عند سماع كلمة الأندلس هو الأرض التاريخية والمول التجاري في آنٍ معاً».

ويضيف قائلاً: «إنّ الكلمة الواحدة يمكن أن تتحوّل في شوارع المدن وعلى لسان سكّانها، ومع ذلك فإنّها لاتزال تحافظ على معناها الأوّل وتتشبّث به. فإذا قلت: غرناطة، سيعرفها الناس كعاصمة الأندلس التي خلّدها التاريخ، وكإشارة إلى حيّ غرناطة في الرياض». من هنا يستلهم الفنان فكرة العمل، حيث سيشرح بالتسجيل المرئي تحوّل الكلمة في أفواه الجمهور، وذوبانها في يومهم وحتّى عالمهم، بشكل مفاجئ دون أن تفقد معناها الأوّل في أذهانهم، وتعدّ هذه الممارسة الفنية لتوضيح التناقض بين المصطلح الإسلامي في شكله القديم وما هو عليه اليوم.

تفاصيل

ومع الفنان الإماراتي علي الكشواني، نسافر في تفاصيل رحلة إبداعية وجمالية تتناول الأمكنة من بحر وغيره من مفردات البيئة، وتتفرس في ملامح الوجوه العربية، والمناظر الطبيعية، فهو يستلهم الثقافة الإماراتية بصورة خاصة، والعربية بشكل عام، ويرتبط دائما بتراث المنطقة.

يعكس العمل الفني للكشواني والذي أطلق عليه اسم «إحياء»، تأثّره بفنون عالمية مثل الفنّ الفارسي والهندي، فضلاً عن الزخارف الإسلامية، وتتحدث التجهيزات التي أنجزها عن إحياء وتجديد الفنّ العربي والإسلامي على مرّ السنين.

ويهدف هذا العمل الفنّي إلى تمكين المشاهد من فهم كيفيّة تصوير الفن الإسلامي على مرّ القرون، وكيف يستمرّ في التغيّر والتكيّف في الوقت الحاضر، وفي المستقبل. ويُظهر العمل الفنّي أيضاً أوجه التشابه والتباين بين كلّ هذه الأساليب والتقنيات الفنّيّة المختلفة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"