الأمراض النفسية للأصحاء في أجواء «كورونا»

00:05 صباحا
قراءة 3 دقائق

ثلاثة من كبار علماء النفس في الولايات المتحدة، عكفوا على دراسة أعراض نفسية واجتماعية، انتشرت وقت أزمة وباء كورونا، لكنها أصابت الأصحاء الذين عاشوا في أجواء الوباء. كان تركيزهم على ما جرى للأصحاء وليس للمرضى الذين أصابتهم «كورونا». ووجدوا أن هؤلاء الأصحاء قد لحقتهم الانعكاسات النفسية للمناخ المرضي الذي يباشرون فيه حياتهم.
العلماء الثلاثة صدرت لهم في توقيت متقارب من عام 2021، ثلاثة كتب هي «قوتنا»، للبروفيسور جان فان بايل، و«التغلب على الغضب المدمر» لبرنارد جولدن، وكتاب «استعادة الكياسة في السلوك» للبروفيسور ماتيو بونوتي.
ومن خلال تشخيصهم بدا أن كلاً منهم يتماس مع الآخرين، أو أنه يكمل الصورة التي قدمها الآخران.
وجاء التشخيص ليشرح كيف أن فترة الإصابات واسعة النطاق ب«كورونا»، قد ضاعفت من الإحساس بالقلق لمن لم يصابوا به، وزادت عندهم حالات الاكتئاب، وارتفاع عدد مرات مراجعة الأطباء النفسانيين، فالخوف من «كورونا» سيطر على نصف الناس من غير المصابين بالمرض، وتفشي الشعور بالقلق بين من لم يألفوا مثل هذا الشعور من قبل. وأثرت في صحتهم العقلية الذهنية فترة توتر أعصابهم. وكان ذلك بسبب العزلة، وفقدان الموارد المعيشية، وموت أحباء لهم، وزيادة التباعد الاجتماعي بديلاً عن التواصل.
في كتابه «قوتنا» يقول المؤلف جاي فان بايل، عندما كان يصاب فرد من العائلة ب«كورونا»، ويبقى في البيت أو يعزل في المستشفى، فإن النتيجة تكون أن يعيش باقي أفراد الأسرة وقتاً ضاغطاً عليهم.
وربما تمر عليهم أوقات ينتابهم فيها شعور بالقلق الشديد، الممزوج بالخوف من حدوث الأسوأ في أي لحظة. مثل هذا الجو يحتاج إلى تصرفات تعيد التوازن النفسي للمحيطين به، وهو ما يتحقق من الدعم المعنوي والتفهم من المعارف، لمساندة مَن هم في هذه الحالة، في هذه الظروف تكون الأسرة في حالة من المعاناة، نتيجة الآثار الاقتصادية التي ترتبت على قلة فرص العمل والموارد المالية، وفقدان الدخل المعتاد للأسرة، خاصة في المدن. وللتخفيف من تلك الآثار السيئة، ينصح بعودة الأطفال إلى المدارس، بشرط ألا يقتصر تلقيهم للتعليم على المقرر عليهم فقط؛ بل يكمله تطبيق نظام تعليم علاجي يزيح عن أنفسهم مشاعر الخوف والقلق والاكتئاب.
ويتفق العلماء الثلاثة على إبراز خاصية التماسك بين أفراد الأسر ومعارفهم.
وفي كتاب «استعادة الكياسة في السلوك»، يرى البروفيسور ماتيو بونوتي أن الناس قد يتصرفون على نحو مجرد من الكياسة، مع مجتمعهم، بالعزوف عن التواصل، وما يطرأ على تصرفاتهم من سلوكيات جديدة حتى عليهم أنفسهم، فيصعب عليهم الابتسام للآخرين، ويكون تفادي الاحتضان تكريساً لحالات التباعد، وتتسم تصرفاتهم عموماً بالغلظة.
في هذه الظروف يمكن لمجموعة من الناس، حتى ولو كانت قليلة العدد أن تنشر بسلوكها هذا، شعوراً بالذاتية يمتد إلى مجموعات أكثر عدداً، فتنشأ خصال التباعد والعزلة والتفكير المتبادل.
هنا يكون مطلوباً في أوقات العزلة تنشيط خواص الإبداع النظري والعملي، وهي التي تظهر عند فرد يستطيع بسهولة أن يكتشف ملكاته التي لم يتنبه إليها من قبل. عندئذ ينشط عقله ويفكر في محيط أوسع من الذي كان تفكيره محاصراً داخله، فتحدث عنده ممارسة التأليف، وكتابة القصة، أو التأليف الموسيقي.
وحين يعيد اكتشاف نفسه، فعندئذ يكون قد اكتشف طريقه للعلاج من الحالة النفسية المحيطة، والوقاية من الشعور بالفشل.
كتاب «استعادة الكياسة» يكمل الارتباط بين التداعيات النفسية ل«كورونا»، وبين الغضب. فالغضب مثله مثل كل المشاعر الضاغطة، يلحق بنا إذا كنا نعاني بعض التوتر في ظروف الدخول في الأجواء النفسية ل«كورونا»، وتراجع التواصل المجتمعي. وهنا تطرأ تصرفات على البعض، منها سرعة الغضب.
وفي رأي المؤلف فإن الغضب المنفلت يكون مدمراً، إلا إذا أمكن للفرد تحويله إلى غضب صحي حين يمنع سيطرة الغضب عليه؛ بل تكون السيطرة للفرد ذاته.
وحتى يمكن احتواء الغضب المدمر، يلزم تدريب النفس على التحلي بالهدوء، وبالخيارات البناءة التي تقوده هو والأشخاص المحيطين به، إلى حياة منتجة ومزدهرة تنعم بالسلام مع الآخرين.
ثم إن الغضب المدمر يمكن أن يؤدي بصاحبه إلى نتائج لم تكن في حسبانه، مثل الطلاق لأتفه الأسباب، أو عزلة اجتماعية، ومشاكل في العمل، واكتئاب وفقدان وظيفته، والإدمان، وربما ينتهي به الحال إلى السجن. 
إن اهتمام المؤلفين الثلاثة بما يحدث لكثير من الأصحاء الذين أحاطت بهم أجواء كورونا، لم يكتف بتشخيص الحالة؛ بل إنهم أضافوا إلى ذلك، إلقاء الضوء على طرق للخروج من هذه الحالة والسيطرة عليها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"