عادي

الحكومة العراقية.. بين الأغلبية والمشاركة الطائفية

22:37 مساء
قراءة 4 دقائق

د.محمد فراج أبو النور*

مصادقة المحكمة الاتحادية العليا في العراق على النتائج النهائية للانتخابات التشريعية التي أعلنتها المفوضية العليا للانتخابات جاءت لتؤكد سلامة الاستحقاق النيابي، وبطلان دعاوى التزوير التي أثارتها الأحزاب الموالية لإيران، ولتفتح الباب أمام انعقاد مجلس النواب، والبدء بالخطوات العملية لتشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر التي سيعهد إليها بتأليف الحكومة القادمة.

على الرغم من استمرار الأحزاب الطائفية في الحديث عن «تزوير الانتخابات» فإن هذه الأحزاب أعلنت قبولها حكم المحكمة العليا، وسحبت المتظاهرين والمعتصمين التابعين لها من محيط «المدينة الخضراء» لتنخرط بصورة مكثفة في مشاورات تشكيل الحكومة، بما يعنيه ذلك من إقرار عملي من جانب تلك الأحزاب بهزيمتها في الانتخابات.

تغييرات مهمة في الخريطة السياسية

معروف أن الانتخابات الأخيرة قد أسفرت عن تغييرات مهمة في الخريطة السياسية والبرلمانية، عكست نتائج الحراك الشعبي الكبير الذي شهده العراق في أكتوبر/ تشرين الأول 2019 والشهور التالية له، والذي شارك فيه ملايين العراقيين، من السنة والشيعة، كتفا إلى كتف، بغضّ النظر عن الاعتبارات الطائفية، وكان للتيار الصدري دور مهم فيه. ومن أبرز هذه التغيرات ذلك التعزيز الكبير لمواقع التيار الصدري البرلمانية. إذ زاد عدد مقاعده من 54 مقعداً في انتخابات عام 2018 إلى 73 مقعداً من مجموع مقاعد البرلمان البالغة 329.. محافظاً على مكانته كأكبر كتلة نيابية.

كما برزت ظاهرة مهمة جديدة، هي فوز عدد كبير من المرشحين المستقلين من نشطاء ثورة أكتوبر، بلغ عددهم 30 نائباً، منهم 9 نواب من «امتداد» التي يقول المتحدث باسمها منار العبيدي إنهم يطمحون إلى تشكيل كتلة من المستقلين يمكن أن يصل عددها إلى 40 نائباً، و(إشراقة كانون) 6 نواب، و(تصميم) 5 نواب، وغيرهم. وهذه المجموعة هي مهنية أساسية غير طائفية، وفي المقابل فإن الأحزاب الطائفية المرتبطة ب«الحشد» قد خسرت الكثير من مقاعدها، وفي مقدمتها «تحالف الفتح» بقيادة هادي العامري الذي تراجعت كتلته في المجلس الجديد من 48 مقعداً إلى 17 مقعداً فقط.. والاستثناء الوحيد بين الأحزاب المذكورة هو «ائتلاف دولة القانون» بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، الذي زادت كتلته البرلمانية من 26 مقعداً في المجلس السابق إلى 33 مقعداً في المجلس الجديد.

أما بالنسبة إلى الأحزاب السنية، فقد حصل تحالف «تقدم» بزعامة محمد الحلبوسي، رئيس البرلمان السابق، على 37 مقعداً، وكتلة «عزم» بقيادة خميس الخنجر على 14مقعداً، وهما أهم الكتل السنية. وفي المنطقة الكردية، عزز الحزب الديمقراطي الكردستاني مقاعده لتصبح 31 مقعداً.. بينما خسر الاتحاد الوطني الكردستاني مقعدين ليصبح لدية 17مقعداً، وهو حزب الرئيس برهم صالح.

وإلى جانب هذه الأحزاب، توجد فسيفساء من الأحزاب الصغيرة في صفوف جميع الطوائف، تتراوح مقاعدها بين ثلاثة وأربعة أو خمسة مقاعد، ويظل وزن كل منها ضئيلاً.. لكن انضمام عدد منها إلى الأحزاب الكبيرة يمكن أن يكون له تأثير في تشكيل «الكتل البرلمانية الأكبر».

الصدر وحكومة الأغلبية

غير أن كل هذا لا ينفي أن الكتلة الصدرية تظل هي القوة الأكبر بكثير من الكتل والأحزاب الأخرى، والأقدر على تشكيل «الكتلة البرلمانية الأكبر»، ومن ثم تشكيل الحكومة بأغلبية مريحة «الأغلبية المطلوبة هي 165مقعداً من مقاعد البرلمان البالغة 239.

بدعم من الحزبين السنيين الأكبر: «تقدم 37مقعداً – وعزم 14مقعداً»، الأقرب إلى مواقف الصدر بكثير منها إلى مواقف الكتل الشيعية (هادي العامري ونوري المالكي، وقيس الخزعلي، وغيرهم).

وهناك أيضاً الحزبان الكرديان الكبيران (الديمقراطي 31 مقعداً والاتحاد الوطني 17مقعداً) وهما بصورة عامة أقرب إلى التيار الصدري، غير أن «الديمقراطي» يمكن أن يمتنع عن دعمه بسبب رغبته في إسناد رئاسة الجمهورية لأحد قياداته – خلافاً لتقليد يقضي بإسناد الرئاسة لأحد قيادات «الاتحاد الوطني»– كما أن التقارير تشير إلى ميل الصدر لتجديد رئاسة «برهم صالح» صاحب المواقف الأقرب إلى الوطنية العراقية منها إلى الانتماء الكردي الضيق.. وهو موضوع يحتاج إلى معالجة مستقلة.

المهم هنا هو أن الصدر أعلن، منذ وقت مبكر، أنه مصر على تشكيل «حكومة أغلبية» ذات سياسة ثابتة، وتكون قادرة على تطبيق برنامج إصلاحي واضح المعالم، وليست مرهونة لمبدأ «التوافق» وتقلبات مواقف شركاء «الائتلافات»، أو نزواتهم التي يمكن أن تضعف الحكومة، أو تهدد استقرارها.

ويريد الصدر أن تكون الحكومة مستقلة عن النفوذ الخارجي، «سواء كان أمريكياً أو إيرانياً»، وألا تكون البلاد ساحة للصراع الأمريكي – الإيراني على النفوذ، وأن تكون ذات علاقات متوازنة بمحيطها الإقليمي «خاصة العربي».. كما يصرّ الصدر على حصر السلاح بيد الدولة، وإدماج «الحشد الشعبي» بصورة تامة في القوات المسلحة والأمنية الحكومية.

وتمثل قضية مكافحة الفساد عنصراً رئيسياً في برنامج الصدر.. كما أن دعم الفقراء والمهمشين الذين يمثلون القوة الجماهيرية الرئيسية لتياره، أمر يحظى باهتمام بارز من جانبه.

من هنا فإن مبدأ «المشاركة» الذي تتحدث عنه الأحزاب الطائفية يتناقض بصورة واضحة مع فكرة «حكومة الأغلبية القوية» التي يريدها الصدر الذي يميل أيضاً إلى منح رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، «المستقل ورجل المخابرات السابق» ولاية جديدة.. وهو آخر شيء يقبل به «الإطار التنسيقي» الذي يضم الأحزاب الطائفية التي لا يستطيع الصدر أيضاً أن يتجاهلها.. لكنه في حواره مع قياداتها رفض استقبال شخصية معروفة بطائفيتها، مثل نوري المالكي.

وواضح أن هذا التباعد الكبير في المواقف، علاوة على مشكلة الرئاسة الكردية، والتمديد لبرهم صالح من عدمه، تجعل الاتفاق على تكوين «كتلة الأغلبية» ومن ثم تشكيل حكومة أغلبية مسألة غير يسيرة، خاصة في ضوء «الثمن» الذي يمكن أن تطالب به الكتل المختلفة مقابل الاتفاق.

لكن علاقات القوى تميل بصورة ظاهرة لمصلحة التيار الصدري «ولاختيار الكاظمي لرئاسة الحكومة».. وهو اختيار يلقى دعما عربياً، لكن واشنطن غير راضية عن خطاب الصدر، «وتاريخه»، إلا أن حكومة ذات برنامج «صدري» تظل أفضل الخيارات المتاحة للعراق.

* كاتب مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"