عادي
أشكال هندسية تخاطب الروح

الرياضيات لغة الكون في مهرجان الفنون الإسلامية

22:51 مساء
قراءة 4 دقائق
«نفس» للفنانة يسرى زادة

الشارقة: عثمان حسن
ترتبط العلوم الرياضية والهندسية ارتباطاً وثيقاً مع معظم ما أنتج من فنون قديمة ومعاصرة، ويعتبر الفن الإسلامي بما يطرحه من تطبيقات فنية ومعمارية سواء في الخطوط، خاصة الكوفي وأشكاله المتنوعة، وأيضاً في فنون الزخرفة والأرابيسك، وفي تصاميم المساجد وتفرعاتها من أقواس وجدران وأعمدة ومحاريب، أبرز تجليات هذه الوحدة بين العلوم والفنون.

وتتجلى هذه الوحدة كذلك في تصميم (المنظور) الذي برع فيه الفنان المسلم، من خلال مساقط الخطوط والظلال والنور، وهي بالفعل تطبيقات مهمة وأساسية نشاهدها بكثرة في الأعمال المشاركة في الدورة الجديدة من مهرجان الفنون الإسلامية.

من يتابع الأعمال التي احتضنها متحف الفنون الإسلامية في الشارقة، وأيضاً جمعية الإمارات للفنون التشكيلية وبيت الحكمة وأروقة ساحة الخط وغيرها من الأماكن، سوف يجد العديد من التطبيقات الفنية التي تدين لعلوم الرياضيات والهندسة في شكلها النهائي، بل يكاد يكون المفهوم الرياضي والهندسي، مستخدماً عند الفنان المسلم لكي يطرح بعداً قيمياً وروحياً، ويتجلى ذلك في الوحدة الزخرفية والخطية والشكل الهندسي، وهي تطبيقات موجودة في معظم المشاركات، إن لم نقل كلها، حتى في تلك الأعمال التي تستثمر فضاء الميديا الحديثة، وتطرح مفاهيم فنية زاخرة بثرائها، حيث تستقبلها عين المشاهد بذائقة تحفز على تعدد القراءات، ففي كثير من هذه الأعمال والتصاميم والتراكيب ثمة معان ودلالات مختلفة ومتنوعة، تتجاوز البعد الظاهري، لتغوص في الداخل وفي العمق، كما تتجلى صورها في الأشكال العديدة التي تبدأ من النقطة، ثم الدائرة، إلى المربع، والمستطيل، ونصف الدائرة، بما تطرحه من بعد قيمي وروحي، يؤكد عمق فلسفة الفن بوصفه يعكس «نظاماً» يؤكد مرة أخرى على وحدة الفنون والعلوم، ليعبرا معاً وبطرق مختلفة عن عناصر الفنون الإسلامية، من خلال جماليات تصاميمها واستخداماتها الكثيرة من مواد خام كالزجاج والورق والأخشاب، وغيرها.

الضوء والظلال

في مشاركته في المهرجان يطبق الفنان الكويتي جاسم النشمي من خلال عمله «مصلى يتسامى1» النظرية الهندسية الموجودة في الزخرفة الإسلامية التقليدية ما تعرف ب (المشربيات) في فضاء ثلاثي الأبعاد، وهو من خلال استثماره للهندسة الزخرفية تلك، يقوم بصنع جدار يفصل بين أي شخص في الداخل حيث الحيز المكاني الذي يعمل فيه، وبين العالم الخارجي وهو يقوم كذلك بالتلاعب بثنائية الضوء والظلال، فينتج جراء هذا التلاعب ما يشبه الهالة المقدسة، تشع بأنوار المحبة والسلام، ويرى جاسم النشمي أن المشربية تقوم على وحدة زخرفية هندسية قائمة بذاتها، تصلح لعمل تطبيقات كثيرة في الفن الإسلامي، وهو يأخذ بمفهوم التدرج في تصميمه للمصلى بالمعنى المرئي والمكاني، وصولاً إلى تلك اللحظة الفاصلة التي يصل فيها إلى لحظة الصفاء الداخلي، ويمكن تطبيق هذا المفهوم تبعاً لنظرية الاستقراء الرياضي، التي سبق واستخدمها العالم البصري الحسن بن الهيثم، الذي كان أكبر عالم رياضي وبصري في العصور الوسطى.

عبدالله عكار فنان فرنسي من أصل تونسي، يقدم عملاً فريداً تحت عنوان: «هو»، بغرض التعبير عن الوجود والبحث عن الهوية، بدءاً من عدم رؤية الآخر، وصولاً لمنحه وجوداً وهو غائب.

يستلهم عبد الله عكار في إطار مشروعه البصري والجمالي، نماذج عدة من الأبيات الشعرية لمبدعين عرب معروفين، كمحمود درويش، ونزار قباني، وأبي القاسم الشابي، ومن قبلهم ابن الرومي، وابن عربي، وهذا الأخير يشكل مفتتحاً لعمله «هو» من خلال قوله «هناك اسم يتركه المرء واسم يتجه إليه وبين الاثنين اسم غير مرئي».

وإذا كان العمل الذي قدمه عبدالله عكار قد استثمر البعد الزخرفي والهندسي للخط الكوفي على وجه الخصوص، فضلاً عن تصميمه الجاذب للشكل الهندسي بأنواعه المختلفة من المستطيل إلى المربع إلى الدائرة، في هالة من الأضواء الساحرة، فإن المحتوى الذي يقدمه «هو» يتضمن بعداً روحياً لا يختلف عليه اثنان.

لحظة فارقة

الفنانة الإيرانية يسرى أمامي زادة، والتي تقيم في الولايات المتحدة، تقدم عملاً بعنوان «نفس» والكلمة تحمل ذات المعنى في اللغتين العربية والفارسية، وهي تعبر عن سلوكيات البشر ونوازعهم الداخلية من اضطراب، وقلق، وصولاً إلى استقرار هذه النفس في لحظة فارقة نحو الأمان والهدوء والسكينة، قد تبدو تلك مجرد فكرة فلسفية تحتمل الكثير من الجدل، لكنها في المنظور الإسلامي ذات دلالات راسخة، ومن ينظر إلى عمل زادة يلحظ تنوعاً بصرياً وزخرفياً ساحراً، كما يلحظ تصويراً هندسياً يحاكي السماء المرصعة بالنجوم.

هناك الكثير من الأعمال في المهرجان التي يمكن الوقوف عندها، والتي تستثمر العلاقة بين الكون وعلوم الرياضيات والهندسة، فالرياضيات بحسب كثير من الخبراء تستطيع وصف الكون من حولنا، والرياضيات كانت سبباً لاكتشاف الكثير من المفاهيم التي أسست لتطوير نظريات متقدمة، قدمت فهماً أعمق للكون.

والعلوم حين يستثمرها الفنان الواعي في عمله الفني، لا بد أن تكون وسيلة ناجعة للتفكير، فالرياضيات هي لغة الكون، بل هي نافذة لفهم البنية الأساسية للكون الشاسع الذي يتسم بالسحر والجمال.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"