عادي

الغاز المصري.. هل ينقذ لبنان من الظلام؟

22:36 مساء
قراءة 4 دقائق

د. أحمد قنديل*

توقع بيان للرئاسة اللبنانية، في 28 ديسمبر/ كانون الأول 2021، وصول الغاز المصري إلى لبنان بنهاية فبراير/ شباط المقبل، أو بداية مارس/ آذار. ونقل البيان عن وزير الطاقة اللبناني وليد فياض قوله: «إن الغاز المصري سوف يصل إلى دير عمار التي تقع على بعد ثلاثة كيلومترات إلى الشمال من مدينة طرابلس في شمال لبنان، عبر خط أنابيب الغاز العربي، الذي يمر بأراضي الأردن وسوريا».

من المتوقع أن يساهم تشغيل محطة كهرباء دير عمار بالغاز المصري قريباً، في انتشال كثير من اللبنانيين من الظلام الذي غرقوا فيه منذ أيام الحرب الأهلية اللبنانية التي ألحقت أضراراً كبيرة بهذا القطاع الحيوي. ورغم تخصيص نحو 30 مليار دولار، خلال العقود الثلاثة الماضية، لإصلاح قطاع الطاقة اللبناني وتحديثه، فقد بقي غير قادر على تلبية الطلب المحلي من الكهرباء، سوى بنسبة 50 في المئة، في أحسن الأحوال، نتيجة الفساد والنهب المستمرين لموارد الدولة، من جانب بعض النخب السياسية الطائفية التي تحكم لبنان بالمحاصصة، والامتيازات الخاصة بها. غير أن الوضع تفاقم أكثر فأكثر في أغسطس/ آب الماضي، عندما أعلن مصرف لبنان المركزي أنه لم يعد بإمكانه تمويل واردات الديزل والفيول والغاز اللازمة لمحطات توليد الكهرباء والمولدات بأسعار الصرف المدعومة، ما أدى إلى انقطاع الكهرباء لفترات طويلة عن كثير من المؤسسات الحيوية، كالمستشفيات والمستوصفات والأفران ومراكز الاتصال. كما تسبب انقطاع الكهرباء المتكرر أيضاً بحدوث شلل في عدد كبير من المؤسسات الزراعية والصناعية والخدمية بشكل فاقم أزمة الاقتصاد اللبناني، الذي أصبح يعاني أسوأ مديونية في تاريخه. وفي ضوء ذلك، سقط لبنان في أزمة اقتصادية صنّفها البنك الدولي بأنها من أسوأ ثلاث أزمات منذ منتصف القرن ال19.

تحرك عربي لإنقاذ لبنان

مع الانهيار شبه التام في خدمات الكهرباء اللبنانية، حدث تحرك عربي نشط، بقيادة مصر، لوقف هذا الانهيار وتحسين وضع الكهرباء خلال بضعة أشهر. ففي 8 سبتمبر/ أيلول 2021، اتفق وزراء الطاقة والنفط في كل من مصر والأردن وسوريا ولبنان، على جدول زمني لاستقدام الغاز المصري والكهرباء الأردنية إلي لبنان، مع بحث كيفية تمويل شراءهما مع البنك الدولي. وجاء هذا التحرك بمباركة أمريكية غير متوقعة.

من ناحية أخرى، جاء التحرك المصري للتخفيف من حدة أزمة الطاقة اللبنانية أيضاً في ظل مساعي القاهرة المتواصلة لتحقيق الاستقرار والأمن في لبنان، وتجنيب لبنان مخاطر الصراعات في المنطقة. الأمر الذي برز بشدة في تأكيد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي على «سرعة إمداد لبنان بالغاز اللازم لتوليد الطاقة من أجل حل مشكلة انقطاع الكهرباء» خلال لقائه مع رئيس الوزراء اللبناني، نجيب ميقاتي، في ديسمبر/ كانون الأول 2021، فضلاً عن مشاركة الرئيس المصري في الدورة الثالثة لمؤتمر باريس لدعم الشعب اللبناني، والذي عُقِد افتراضياً في أغسطس/ آب 2021.

كما يأتي التحرك المصري لإنقاذ اللبنانيين من الظلام أيضاً في ظل مساع حثيثة لكي تصبح القاهرة مركزاً إقليمياً لإنتاج وتصدير الغاز الطبيعي، بعد الاكتشافات الهائلة من الغاز الطبيعي في منطقة شرق المتوسط خلال العقد الأخير، وتدشين «منتدى غاز شرق المتوسط»، في القاهرة، بهدف تعزيز تجارة الغاز الإقليمية.

تحديات وعراقيل

تواجه رحلة الغاز المصري إلى لبنان عدة عراقيل وتحديات مهمة، منها ما هو فني، ومنها ما هو سياسي ومالي وفني. فمن الناحية الفنية، يشير كثير من الخبراء إلى ضعف جاهزية خطوط النقل والبنية التحتية، خاصة تلك المتعلقة بخط أنابيب الغاز العربي الذي توقف عن العمل منذ عشر سنوات تقريباً. ويعادل طول الخط 1200 كم، وقدرته الاستيعابية تبلغ 7 مليارات متر مكعب من الغاز سنوياً. إلا أنه من المتوقع أن يتم التغلب على هذا التحدي الفني قبل حلول مارس/ آذار المقبل، بعدما تعاقدت بيروت، في 28 ديسمبر/ كانون الأول 2021، مع الشركة الفنية لخدمات تشغيل خطوط الغاز المصرية «تي جي إس»، للقيام بأعمال الصيانة المطلوبة داخل الأراضي اللبنانية.

وسياسياً، تتضمن العراقيل والتحديات أمام الغاز المصري الذاهب إلى لبنان مطلباً اساسياً، وهو استثناء الشركات المصرية العاملة في مشروع نقل هذا الغاز من «قانون قيصر» الذي يفرض عقوبات أمريكية قاسية ضد الحكومة السورية، وضد الكيانات التي تتعامل اقتصادياً معها، الأمر الذي قد يهدد استكمال مشروع توصيل الغاز المصري، حال عدم توافر «ضمانات كافية» لهذه الشركات من جانب الإدارة الأمريكية الحالية. فالمراسلات التي تم الإعلان عنها بين القاهرة ووزارة الخزانة الأمريكية لم تجلب، حتى كتابة هذه السطور، أجوبة شافية بشأن هذه الضمانات.

ومالياً، تعترض تصدير الغاز المصري إلى لبنان مسألة الحصول على التمويل من البنك الدولي لتأمين دفع ثمن الغاز المصري. وفي هذا الخصوص، تعهدت إدارة بايدن بإقناع مسؤولي البنك الدولي بأن بيروت سوف تستجيب للشروط الموضوعة من جانب البنك للحصول على التمويل المطلوب، وأغلبها شروط إصلاحية تتعلق بحسن الاستمرارية الإدارية والمالية لمؤسسة كهرباء لبنان، مع وجود خطة طويلة الأمد للقطاع، على أن تطبق ضمن جدول زمني لا يتخطى الأشهر الأولى من عام 2022. ومع ذلك، يتوقع عدد من المراقبين أن تستغرق إجراءات البنك الدولي وقتاً طويلاً. الأمر الذي قد يفتح الباب أمام تعزيز فكرة إتاحة تمويل عربي لتصدير الغاز المصري إلى لبنان، خاصة مع وجود إرادة سياسة قوية لإنجاح هذا الأمر، في القاهرة وعمان وواشنطن، وكثير من العواصم العربية.

وفي النهاية، من الضروري الانتباه إلى أن الغاز المصري لن يحل أزمة قطاع الكهرباء في لبنان إلى الأبد. فهذا الغاز ليس إلا أحد الحلول المؤقتة. فحتى لو تم تشغيل محطة دير عمار اللبنانية بالغاز المصري واستجرار الكهرباء من الأردن، فسوف يستمر العجز الكهربائي في لبنان بحدود 10 إلى 12 ساعة يومياً. وما يعنيه ذلك حاجة لبنان إلى بناء محطات كهرباء جديدة بطاقة يومية لا تقل عن 2000 ميجاوات لسد الطلب الحالي، حسب التقديرات الحالية. كذلك، تحتاج بيروت إلى فتح ملف التنقيب عن النفط والغاز للاستفادة من الثروات الغازية المحتملة في شرق المتوسط.

* رئيس برنامج دراسات الطاقة في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"