عادي
ميزانيته الضخمة وكثرة نجومه أفسدتا الإخراج

«لا تنظر للأعلى».. سخرية من صنّاع القرار الأمريكي

23:15 مساء
قراءة 5 دقائق
1

مارلين سلوم

أي مخرج، مهما تكدست سنوات خبرته فوق كتفيه، وامتدت شهرته إلى أقاصي الأرض، لا بد أن يجد نفسه حائراً وسط هذا الكم الكبير من أشهر نجوم «هوليوود»، لمن يفرد المساحة أكثر؟ من يستحق أن يكون بطلاً في الأول؟ ومن المساعد؟ ومن يطل كضيف شرف؟ وهل ظهورهم جميعاً وفي نفس المشهد سيسرق من القصة بريقها؟ وهل يكتفي المخرج بترك الكاميرا تتجول بينهم داخل غرفة واحدة مغلقة ليكتمل الإبداع في المشهد؟

من يشاهد الفيلم الذي أثار ضجة منذ بدء عرضه على «نتفليكس»، «دونت لوك أب» أو «لا تنظر للأعلى» يدرك أن المهمة صعبة إذا لم يكن المخرج محترفاً، والنص دسماً، والإنتاج يفي العمل حقه بغض النظر عن أجور هذا العدد من النجوم، ويدرك أن العمل يستحق المشاهدة.

كيف يمكنك أن تستمتع في ساعتين و18 دقيقة و«تشبع» من حضور كل هؤلاء النجوم دفعة واحدة، ما يعني بطبيعة الحال أنك أمام منافسة شرسة، كل يريد أن يبرز قدراته، ويتفوق ويلفت الجمهور و«يسرق الكاميرا» كما يقولون؟ ميريل ستريب وليوناردو دي كابريو وجينيفر لورنس وكيت بلانشيت وروب مورجان وجونا هيل ومارك ريلانس وتايلر بيري وتيموثي تشالاميت ورون بيرلمان وأريانا جراندي وسكوت ميسكودي.. شخصيات كثيرة وكبيرة، بقيادة المخرج آدم مكاي، ولا بد من ذكر من ساعدته في إدارة الفنانين فرانسين مايسلر، وقد تولت مهمة صعبة بوجود هؤلاء الكبار. مكاي هو مؤلف وكاتب القصة بمشاركة دايفيد سيروتا في التأليف.

«لا تنظر للأعلى» فيلم واقعي افتراضي يمكنك وصفه بالسريالي، كوميديا سوداء تسخر من كل الأنظمة السياسية، وعلى رأسها الأمريكية والفساد المستشري هناك، والتعنت والتهور بجهل وأنانية في اتخاذ القرارات، وكيف تسيطر الرأسمالية وتتحكم بالقرار السياسي والانتخابات في أمريكا وتسيّر كل شيء وفق مصالحها، وعن هيمنة صنّاع التكنولوجيا والتقنيات الإلكترونية الحديثة، لا سيما الهواتف المحمولة على كل شيء وسرقة المعلومات الشخصية للناس والتجسس على حياتهم وكل أسرارهم بأدق تفاصيلها، وادعائهم معرفة كل شيء وقدرتهم على التحكم بالأطفال والمستقبل وإدارة العالم والعلم والعلماء وفق مصالحهم، لا وفق المصالح العامة للبشرية ولحماية الأرض والمستقبل، واضعين العلماء وآراءهم في الصفوف الخلفية؛ بل يحاربونهم أحياناً ويتجاهلونهم في الأغلب. ولا ينسى الفيلم التطرق إلى عبث التواصل الاجتماعي وتفاهة البرامج التلفزيونية التي تحاول تضخيم التفاهات وتتفيه الأحداث المصيرية والمهمة، وانسياق الناس خلف الشائعات وأخبار طلاق وزواج الفنانين وحياتهم الشخصية وتلميع المذيعين لهم وتدقيقهم في تفاصيل حياتهم وتعمد طرح الأسئلة التافهة والفضولية، بينما يمرون سريعاً على الخبر العلمي، مع التركيز أيضاً على نسب المشاهدة التي يحققها حضور مغنية وحوارها في برنامج، وحضور وحوار عالمين يفجران حقيقة علمية وخطرة في نفس البرنامج وعلى الهواء مباشرة.

انتقادات

كثيرة الانتقادات التي يواجهها الفيلم، باعتبار أن هذه الميزانية الضخمة التي سمحت بوجود هذا الكم من كبار نجوم هوليوود، من المفترض أن تنتج عملاً بنفس الضخامة من حيث التقنيات والإخراج وعمق السيناريو والحوار، إلا أن ما نشاهده لا يرتقي إلى هذا المستوى. في آراء الناس شيء من الصواب من حيث عدم تميز الفيلم إخراجياً؛ إذ يبدو أن مكاي ركز على انفعالات الممثلين، محاولاً منح كل واحد منهم المساحة التي يستحقها على الشاشة، أكثر من انشغاله باستخدام أفكار متطورة تمنحنا الإبهار الذي يليق بفكرة الفيلم ونجومه؛ علماً أن الفكرة الأساسية تتحدث عن مذنب يقترب من الأرض، وسيؤدي إلى تدميرها أو بالأحرى إلى إحداث تسونامي ضخم يمحو كل أثر لإنس وحجر على وجه الكرة الأرضية. المذنّب اكتشفته العالمة كايت ديبياسكي (جينيفر لورنس)؛ لذلك حمل اسمها، أثناء إجرائها لبحث علمي فلكي يخولها نيل الدكتوراه، ضمن فريق من علماء الفلك بقيادة البروفيسور رندال ميندي (ليوناردو دي كابريو)، الذي يستكمل الحسابات العلمية ليكتشف أن المذنب متجه مباشرة إلى الأرض والارتطام سيحدث خلال 6 أشهر و14 يوماً. يتصل بدكتور كالدر (هيتيان بارك) التي تتصل بالدكتور أوجليثورب (روب مورجان) في مكتب تنسيق الدفاع بين الكواكب (وهو مكتب موجود فعلياً في أمريكا)، فيطلب مقابلة العالمين، والتدقيق في البحث ونتائجه. تتسع الدائرة ليتم إبلاغ الرئاسة نظراً لخطورة الأمر، فيأتي الرد بضرورة إحضار البروفيسور ميندي وكايت ديبياسكي إلى واشنطن. يقلانهما بطائرة عسكرية مباشرة إلى البيت الأبيض؛ حيث ينتظران مع دكتور أوجليثورب وممثل عن البنتاجون الجنرال ثيمز (بول جيلفويل) في ممر ضيق أمام المكتب البيضاوي. يسخر مكاي من كل ما في البيت الأبيض ومن فيه، حتى الجنرال ثيمز يستغل «ضيوف البيت الأبيض» العلماء الثلاثة فيقدم لهم وجبات سريعة يأكلونها بعد طول انتظار، ويقبض ثمنها، لتكتشف ديبياسكي لاحقاً أنه أحضر الوجبات من المطبخ المجاور وهي مجانية في إشارة واضحة إلى كم الفساد. تمر الرئيسة أورليان (ميريل ستريب) ومساعدها ومستشارها جايسون (جونا هيل) من أمام العلماء من دون الالتفات إليهم، ويغلق المكتب من دون استدعائهم بسبب وجود «حالة طارئة» وهي فضيحة «جنسية» لأحد المرشحين. يطول الانتظار سبع ساعات ثم يعود العلماء أدراجهم إلى الفندق لتؤجل مقابلة الرئيسة إلى اليوم التالي.

طبعاً يتم اللقاء إنما المشهد يبدو شديد السخرية؛ حيث يركز مكاي على «التفاهة» في شخصية وتفكير الرئيسة ومستشارها وكل فريق عملها، وانشغالها بالانتخابات وصورتها وسمعتها، وقد امتلأ مكتبها بصور لها مع رؤساء سابقين مثل بيل كلينتون، إضافة إلى فنانين ومشاهير.. تستخف بالقضية وتطلب منهم «الانتظار لتقييم الأوضاع»، وتسألهم «هل تعلمون كم مرة عقدنا اجتماعات للبحث في مسألة «نهاية العالم؟» إما بسبب التلوث أو الجوع أو الأوزون أو الوباء».

مستفزة الرئيسة، ومستفز كل من يقابلهم العلماء في محاولة لشرح ما سيحدث وخطورته وضرورة التحرك سريعاً من أجل تفتيت المذنب قبل وصوله إلى الأرض، حتى استضافة ميندي وديبياسكي في البرنامج الأشهر «ذا دايلي ريب» تحول إلى مهزلة، بسبب مقدمي البرنامج بري إيفنتي (كايت بلانشيت) وجاك بريمير (تايلر بيري) وسخريتهما من فكرة نهاية العالم أو بالأحرى نهاية الحياة على كوكب الأرض. بري تستميل البروفيسور وهي نموذج لفساد إعلاميات أقمن علاقات مع رؤساء وشخصيات بارزة وحققن ثراء وشهرة.

تفاصيل

الفيلم مملوء بالتفاصيل، لا يكتفي بإظهار الفساد في السياسة الداخلية لأمريكا؛ بل يقدمها منافساً غير شريف للدول الأخرى مثل روسيا والصين والهند، وتفضيل رئيستها ومن يقف خلفها ويتولى تمويل وإدارة حملتها الانتخابية، بيتر إيشرويل (مارك ريلانس)، مؤسس شركة «باش» الإلكترونية التي تنتج برامج إلكترونية وهواتف نقالة وتطبيقات تمكنها من التجسس على الناس والتحكم بالقيادات والقرار، المصلحة الشخصية على مصلحة الشعب؛ بل الكرة الأرضية بكاملها.

«لا تنظر للأعلى» إدانة واضحة للفساد المستشري في العالم على مختلف المستويات، وإدانة للشعوب لانسياقها كالقطعان خلف أي أحد بلا وعي أو تفكير، ويقدم بشكل غير مباشر تحية للعلم والعلماء الذين لا ينالون حقهم من حيث الاهتمام والتقدير. الأداء الأقوى فيه لجينيفر لورنس وليوناردو دي كابريو وكيت بلانشيت، النهاية هي الجزء الأقوى بالنسبة للإخراج، والعمل بمجمله يستحق المشاهدة أكثر من مرة، والكوميديا فيه ليست للضحك؛ بل لتغليف المأساة بابتسامة موجعة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"