عادي
قراءات

الفلسفة.. صناعة فرنسية ثقيلة

22:03 مساء
قراءة 3 دقائق
2002
shutterstock_1658774617

الشارقة: علاء الدين محمود
عندما نتكلم عن الفلسفة الفرنسية تتزاحم في المخيلة أسماء عظيمة مثل: ديكارت، وهنري برجسون، وأوجست كونت، وجان بول سارتر، وكلود ليفي ستروس، وبول ريكور، وميشيل فوكو، ورولان بارت، وبيير بورديو، وجاك دريدا، وجيل ديلوز، وكاستورياديس، وإدغار موران وغاستون باشلار وآلان باديو ولاكان، وغيرهم من نجوم سطعت في سماء الفكر العالمي؛ بحيث لا تكتمل لوحة الفلسفة في العالم من دونهم.

في كتاب «إطلالة على الفلسفة الفرنسية»، يرسم الفيلسوف جان وال لوحة عامرة بالألوان والخطوط المختلفة والمتباينة عن الفكر الفرنسي وأقطابه وأثره في الماضي والحياة المعاصرة، ولئن أبرزت اللوحة في صورتها الظاهرة، الفكر الفرنسي، فإن خلفيتها هي الفلسفة الأوروبية بكل منجزها العظيم، ويأخذنا المؤلف في رحلة ممتعة ومثيرة ومحتشدة بالألق والجمال في عوالم الفلسفة الفرنسية لنتعرف بطريقة مختلفة، أو بانورامية، كما أطلق عليها، إلى تلك الفلسفة، وتشمل البدايات الباكرة وحتى أواسط القرن العشرين.

ولكن هل من الممكن أن تكون هناك «فلسفة فرنسية»؛ أي خاصة بذلك البلد العظيم الذي أدهش العالم في مجالات الأدب والفنون؟ أليست الفلسفة كونية في فكرتها؟

المؤلف يقر بذلك الأمر، ويرى أن الفلسفة لا تنفصل عن باقي النشاطات الإنسانية مثلما أن فرنسا هي الأخرى لا انفصال لها عن باقي الأمم، ويشير المؤلف إلى أن القرن الثامن عشر الفرنسي حينما أطلق تسمية «فيلسوف»، على بعض الأشخاص، كانوا هم من فئة الكتّاب أكثر مما هم من الفلاسفة؛ وذلك الأمر أعطى مؤشراً وشعوراً، فيه نوع من الصواب، أن الفلسفة نفسها ليست حكراً على أهل صنعة تخصصية؛ لذلك فإن أي تاريخ للفلسفة الفرنسية لابد أن يأخذ بعين الاعتبار كتاباً كباراً من أمثال مونتيني وجان جاك روسو، ويستنتج الكاتب من ذلك أن تاريخ الفلسفة الفرنسية لا يمكن له أن يكون منفصلاً عن تاريخ العلم.

ولكن على الرغم من حديث المؤلف عن الفضاء العمومي والطابع الكوني للفلسفة فإنه في ذات الوقت يرى أن هنالك خصوصيات وطنية وثقافية قوية وذات تأثير، وهو الأمر الذي يسميه الكاتب ب«لحظات الفلسفة»، التي تتجلى في الفضاء والوقت المناسبين، فلئن كانت الفلسفة تعد طموحاً شاملاً وكونياً للعقل، فإن لها في ذات الوقت لحظتها الخاصة والفريدة، ويسوق لنا الكتاب مثالين للتدليل على ذلك الأمر وتوضيحه عبر الإشارة، في المثال الأول، إلى اللحظة الخاصة بالفلسفة اليونانية بين القرن الخامس والثالث قبل الميلاد، أما المثال الثاني وهو الذي يشير فيه إلى لحظة المثالية الألمانية بين كانط وهيغل، وفيخته وشيلينج، ويصفها بالاستثنائية والفريدة والخلاقة وهي الممتدة من أواخر القرن الثامن عشر وحتى أوائل القرن التاسع عشر.

ويتابع الكتاب كذلك أثر الفلسفات الأخرى في الفرنسية خاصة الألمانية من خلال الحوارات التي أجراها الفكر الفرنسي مع أكبر رموز الفلسفة الألمانية من أمثال هيغل وفويرباخ ونيتشه وكانط وغيرهم، ولئن كان ثقل بدايات الفلسفة المعاصرة قد ظهر في ألمانيا فإن فرنسا قد سحبت البساط شيئاً فشيئاً إلى أن هيمنت فكرياً على العصر الحديث؛ بل وفي أوقات سابقة فقد ملأ الفرنسيون الدنيا وشغلوا الناس منذ ديكارت وإسهاماته الكبيرة في القرن السابع عشر، فلئن قال شكسبير على لسان أحد أبطاله: «أكون أو لا أكون تلك هي المسألة»، فقد حسم ديكارت تلك القضية عندما وضع إجابات حسمت تطور الفلسفة الحديثة تماماً.

تفجرت الطاقات الفكرية لفرنسا مع الوجودية؛ أي مع سارتر وسيمون دي بفوار وغيرهم من الذين طوروا من رؤية الألماني كيركجارد، وقدمت حوله أطروحة متفردة وخاصة وربما مختلفة، ويتابع الكتاب بصورة خاصة بروز سارتر في المشهد الفلسفي الفرنسي، موضحاً أن الوجودية قد اتخذت عند سارتر وضعاً مختلفاً وأقرب إلى التشاؤم.

ومرة أخرى يدهش الفرنسيون العالم مع بروز فلاسفة كبار في العصر الحديث، خاصة مع ميشيل فوكو مؤسس الحفر الأركيولوجي، وجيل دولوز وفتوحاته الكبيرة، وليفي شتراوس صاحب البنيوية، وبول ريكور بإسهاماته وبحوثه العميقة، وجاك دريدا وفلسفته التفكيكية، وكان لهؤلاء المفكرين دوراً كبيراً في إحداث فتوحات كبيرة عبر المفاهيم والمصطلحات والرؤى التي أنتجوها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"