معركة تونس القاسية

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين
افتتاحية الخليج

قد يكون الوضع التونسي المتحول مفتوحاً على احتمالات عديدة، ربما يكون مزيداً من الضبابية والاتجاه إلى المجهول، لكن المسار الذي تنتهجه البلاد بعد إعلان الرئيس قيس سعيّد عن خارطة طريق الإصلاح الممتدة لعام كامل، يواجه عقبات وعراقيل يحاول المتضررون من المتغيرات السياسية إثارتها لإحباط أي مسعى يتكلل بالنجاح.

أغلبية الأحزاب، وأساساً حركة النهضة الإخوانية، بدأ المشهد السياسي يلفظها بعد افتضاح ملفات الفساد والتزوير والمحسوبية التي أنهكت الدولة والمجتمع، حيث صادرت أحلام الشباب الطامح إلى العمل والعدالة وصناعة المستقبل. ويبدو أن هذه الأحزاب تحاول القفز على حالة النبذ الاجتماعي للعودة مجدداً إلى دائرة الفعل. ولأن التاريخ لا يتكرر، فإن هذه الجماعات تكرر الأسلوب نفسه، الذي اعتمدته مع نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، حين كانت تتباكى على «الكرامة والحريات» وتتآمر في الداخل والخارج على الأمن الوطني. وعلى وقع الضجة التي أحدثتها طبول ما يسمى «الربيع العربي» انطلت تلك الشعارات على نسبة من الناس. وبين عشية وضحاها في عام 2011، أصبح أولئك سادة المشهد السياسي و«فرسان الديمقراطية»، وبعد التجربة جاء الحصاد هشيماً، وبدل تحقيق الكرامة وتوفير فرص العمل والازدهار الاقتصادي، عم الفساد وسادت الانتهازية وبلغت البلاد مستوى لم يسبق له مثيل في الانهيار والإفلاس والإحباط وفقدان الأمل.

البكائيات بأصوات عالية على «الحريات» في تونس، بدأت تشتد مع تحرك القضاء لضرب المفسدين ومحاسبة من أجرموا بحق الشعب، إثر اعتقال نائب رئيس حركة النهضة وبعض مساعديه على خلفية شبهات إرهاب، وقبل إحالة زعيم الحركة راشد الغنوشي ومسؤولين سابقين إلى المحاكمة في قضايا «جرائم انتخابية»، ومن غير المستبعد أن تأخذ العدالة مجراها، مثلما ظل يقول الرئيس قيس سعيّد، ويطالب بمحاسبة كل من تورط في الفساد والإرهاب وخداع الشعب بواسطة الانتخابات المشبوهة والوعود الزائفة. والقاعدة التي تقول «القانون فوق الجميع» يفترض ألا تستثني أحداً، وأن تكشف الحقيقة كاملة وفق محاكمات نزيهة بعيداً عن التسييس وتصفية الحسابات الشخصية، والقضاء التونسي قادر على أداء هذه المهمة إذا توفرت لها الشروط التامة للتحقيق والتقصي وملاحقة المتهمين مهما كانوا.

إصلاح ما أفسدته عشر سنوات من سيطرة جماعة «الإخوان» وأذرعها في تونس لن يكون أمراً يسيراً، ولن يتم بين يوم وليلة، لكنه أمر لا بد منه وشرط أساسي للإنقاذ الفعلي، وصولاً إلى إقامة نظام يؤمن بالقيم الديمقراطية ويضع مصالح الشعب والدولة فوق أهواء الأحزاب والمتكالبين على السلطة. وربما لن تكون الأسابيع والأشهر المقبلة هادئة بالنظر إلى استفحال الصعوبات الاقتصادية الناتجة أساساً عن سياسات غير موفقة وأجندات لعبت على الأهواء أكثر من رهانها على المصالح الوطنية.

.. من صنعوا هذا الفشل هم المتضررون من خريطة قيس سعيّد ومن تحرك القضاء، وللتشبث بالبقاء والرغبة في العودة إلى دوائر الضوء لن يتوقفوا عن الصراخ، وسيكثفون تشويه التوجه السياسي الجديد، وهو ما يجعل المعركة قاسية والخسائر جسيمة لدى البعض، لكنها بمعايير المستقبل ستكون مكسباً تونسياً إذا سلمت المنطلقات من الشوائب وكان الأداء وطنياً خالصاً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"