هل رسمت صورة للتنمية الإماراتية في الخمسين الثانية؟ السؤال ليس سهلاً؛ لأنها لن تكون خطة تنموية عادية، فمن العسير أن يعرف أي خيال استشرافي كيف سيكون شكل التنميات المتقدمة بعد 2030. وسيكون التنبؤ بواقع دعائم الاقتصاد العلمية والتقانية أصعب سنة 2040، وأعسر بكثير بعد ذلك. من الأفضل إذاً الحديث عن تنمية نموذجية على مدى العقود الخمسة المقبلة.
وصف التنمية الخمسينية الإماراتية بأنها ستكون نموذجية، فيه استناد إلى معطيات علمية منطقية، فالعلم هو أبو الاحتمالات، في الرياضيات والإحصاء والاستشراف. خذ مثلاً: تنبؤات الأرصاد الجوية تحتاج إلى تريليونات العمليات الرياضية بوساطة الحواسيب العملاقة. سوف تتطلب هذه التجربة التنموية النموذجية، نظراً إلى امتدادها على نصف قرن، قدراً كبيراً من المرونة، فإرساؤها على قواعد ثابتة لسنوات طويلة أو عقود، مخاطرة جسيمة؛ لأن الطفرات المفاجئة في العلوم والتقانة قد تغير مجرى الاقتصاد العالمي على نحو حاسم. هنا يستدعي أمن الخطط التنموية القدرة على التأقلم السريع، في أي منعطف ومنعرج، مع التحولات المستجدة. لم يعرف التاريخ قط عصراً أو حقبة يتغير فيها النموذج الفكري بسرعة كل بضع سنوات، مثلما حدث ويحدث منذ النصف الأخير من القرن العشرين. لا مجال لذكر الكثير: الإنسان على سطح القمر، اكتشاف الحمض النووي (اليوم، تخزين المعلومات بالحمض النووي في الأرشيف الرسمي الفرنسي صار واقعاً)، الإنترنت، الذكاء الاصطناعي..
من أهم العوامل التي سيكون لها أثر عظيم في مسار التنمية الإماراتية عاملان فارقان لا سابقة لهما: أحدهما استقطاب 100 ألف مبرمج من الطراز الأول، يجسدون البوصلة التنموية الرقمية. الآخر: استقطاب 1000 عبقري عربي ليكونوا المحرك لمشروع «استئناف الحضارة العربية». لا يمكن لأي تخطيط علمي رياضي أو شطحات خيال علمي فائق، رسم خطة تنموية عقلانية على هذه المعطيات. محال وضع حدود قياسية للعبقرية. «فلتة» خارقة واحدة تستطيع أن تغير المشهد العالمي. فما بالك بتجليات 1000 دماغ نابغة. هنا تفرض المفاجآت المحتملة ضرورة التأهب لأي تحول علمي أو تقاني طارئ، بأهلية الاستعداد في كل المستويات المعنية: البنية التحتية والإدارية، البنية الذهنية ذات الكفاءة العلمية التقانية المعرفية.
لزوم ما يلزم: النتيجة التكرارية: لهذا لا نمل التذكير بأن التنمية الاستشرافية الحقيقية، إنما هي تحول جذري في مفهوم التربية والتعليم.
[email protected]
عن الكاتب
المزيد من الآراء
مقالات أخرى للكاتب
قد يعجبك ايضا
