عادي
القلب يحلق في أفق اللانهائية

الضوء ملموساً في مهرجان الفنون الإسلامية

22:11 مساء
قراءة 3 دقائق
2403

الشارقة: عثمان حسن

يمتاز مهرجان الفنون الإسلامية كونه حاضناً لكثير من الأعمال التي تواكب أشكال الفنون القديمة والمعاصرة كافة، وقد استطاع عبر دوراته المتعاقبة أن يؤكد أهمية هذه الفنون، بوصفها تشكل حلقة متصلة من أفكار وثقافات العالم، وهو الذي يؤكد من جهة أخرى أن المهرجان يرسخ اسمه كحدث فني دولي متخصص في الفنون الإسلامية، يعكس حيوية هذه الفنون وعمقها التعبيري كلغة فنية عالمية.

يحتضن المهرجان كافة أشكال الفنون من بينها الأعمال الضخمة، التي تنتمي لفئة «التراكيب» الفنية، بوصفها تتناول مفهوما أعمق من كونه تركيبا ملموسا، بل هي تنظر إلى جوانية هذه التراكيب والتكوينات، وتحللها في ضوء الوحدة الفنية، التي تنطق بأسباب الوجود، وتغوص في روحانية الفن.

في المهرجان، يتحقق الشرط الموضوعي ل (التركيب الفني) ليتوازى مع كونه تكوينا فنيا يسعى إلى تحويل الملموس إلى محسوس، حيث يتحقق كمنجز إبداعي بصري، تبعاً لمعماره الخارجي، ومن ثم (يتدرج) من خلال صنعة أو إنجاز الفنان، ليترجم مكنونات الذائقة البشرية، التي تسعى للكمال والبحث عن جماليات الروح.

ثنائية

يشارك الفنان الأمريكي ماثيو شليان في المهرجان بتركيب هو أقرب إلى التكوين الفني، بعنوان «إشارات الحرارة» حيث يشتغل على ثنائية الضوء والظلال، وكذلك الشكل والتكرار، فتظهر عنده تكوينات كما لو أنها مكونة من طيات ورقة واحدة، فتلتقطها عين المشاهد مكسوة بطبقات فسيفسائية حيث يقوم شليان بصناعة كل وحدة على حدة، من خلال قصها وطيها ولصقها وتجميعها على صفيحة داعمة، وهنا، تبرز الأشكال المصنوعة وكأنها تتحرك نحو الخارج منطلقة من نقطة مركزية، والعملية برمتها بالنسبة للفنان لشليان تمثل درجة من درجات التأمل والاستغراق في فضاءات لا حصر لها، كما يعتمد المنظور العام للشكل الخارجي على بنية زخرفية من تقاليد الفنون الإسلامية.

يقدم شليان عدة تركيبات فنية بعناوين مختلفة مثل: «غير المقدس المتهادي باللون الأزرق» و أيضاً «أوموبلاتا 112» و«أوموبلاتا 108» وغيرها.

حيوية بصرية

بدوره يقوم الفنان الأمريكي زيلفيناس كمبيناس بمشاركة فنية لافتة تقوم على مبدأ التكرار والأبعاد المتغيرة تدريجياً من خلال عملين فنيين يستندان إلى فكرة الخطوط والضوء والظلال أيضاً، وتمتاز هذه المشاركة في حيويتها البصرية من جهة ذلك الأثر الروحي الذي تتركه في ذهن المشاهد، وكأنه أمام تكوينات خطية مستقيمة ذات تركيبات بصرية مختلفة، تخلق في الأخير أشكالاً وهمية لأنماط دائرية..

يظهر هذا العمل المتميز قدرة عجيبة على توظيف الشكل، لخلق بنية حسية من خلال الأشكال المنحنية، والمتعددة بظلال مستقيمة على الأرض.

هنا، يظهر التركيب الفني الماثل أمام المشاهد قدرة للتعبير عن حالة وشكل الموضوع، وكلاهما يجسدان المعنى المراد من العمل الفني، الذي يرتكز على ثقافة بصرية أو لنقل «حساً بصرياً» أخاذاً يستكشف ما وراء الشكل الخارجي الذي جاء في صورة دائرة، وجاء أيضاً على شاكلة مخروط أقرب إلى الشكل الهرمي في العمل المعنون ب «نوتيلوس 2» الذي صنعه كمبيناس من (ألمنيوم ونحاس ومحرك ومؤقت وضوء).

أثر

تقدم الفنانة الإماراتية آمالياء بالجافلة منحوتة بعنوان «الضوء اللامتناهي» وتستند على أثر إماراتي تراثي معروف وهو شجرة الغاف، ومن ينظر إلى هذا التركيب النحتي يشعر بتلك الرمزية العالية والغنية المزينة بألوان فيروزية نابضة بالحياة.

ولا شك، أن الفكرة الأساسية لهذا العمل توحي بتلك الأبعاد الروحية غير المحدودة، التي يتفاعل معها المشاهد بروحية عالية لا سيما وأن الفنانة قد استلهمت عملها من الآية القرآنية: «وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إليه مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ».

دلالة الأرقام

في عملهما المشترك «الصراط» يقدم العراقيان المقيمان في الإمارات مودو ميثود وليث مهدي تجهيزاً فنياً «تصميم» يركز على عملية التدرج، التي يمر بها البشر في حياتهم، والتصميم أقرب إلى مفهوم التركيب الفني من حيث الشكل، ومن يتابع هذا العمل الذي يغطي مساحة معقولة تبعاً لعدد القطع المستخدمة من مواد مختلفة كالرماد وخشب البتولا ورخام فيرمونت، يدهش من تركيز الفنانين على الأرقام ودلالة الأرقام 5 و 7، وصلة هذه الأرقام بالمنظور الديني وخاصة الإسلام، نحن في هذا التجهيز الفني التفاعلي أمام وحدات وقطع فنية متعددة الوظائف، ونحن بإزاء أشكال ملموسة، لكنها تراكيب توحي بما هو أبعد وأكثر حميمية، وتكاد تلمس ما في الأرواح والوجدان.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"