ليس بالأمنيات تنهض الدول

00:32 صباحا
قراءة 3 دقائق

العبور من العام إلى العام التالي، ليس انتقالاً من عالم إلى آخر، وليس سفراً في الزمن، لا الماضي ولا المستقبل، لكنه كما العبور من ساعة إلى ساعة أو من يوم إلى يوم، والفاصل بين العامين 2021 و2022 لم يكن سوى دقائق معدودة، يعيش فيها العالم في ظل حلم بحجم الكون بأن يكون العام الجديد مختلفاً عن سابقه، وأن يتخلص فيه من أوجاعه وموبقاته. 
 من حق البشرية أن تحلم وتتمنى وتنتظر أن يكون القادم أفضل، ولكن من واجبها أن تدرك أن الزمن يسير في مساره الطبيعي، ولن يقفز بنا إلى زمن مختلف أو عالم مختلف، فالمستقبل لن يحمل لنا سوى نتائج أفعالنا في الماضي والحاضر، ومن يريد عالماً آمناً، عليه أن يعمل لتحقيق مراده، ولكل سلوكات نتائج تشبهها، ولكل فعل رد فعل مساوٍ له في المقدار، ومضاد له في الاتجاه. 
 في العالم دول تنعم بالرفاهية والحياة الكريمة، ودول أخرى تعاني سقوطاً سياسياً وما يتبعه من سقوط اقتصادي واجتماعي وتعليمي وصحي. النمط الأول تحققت له الرفاهية؛ نتيجة حكمة قادته؛ وعملهم الدؤوب لمصلحة شعوبهم، ويتوازى مع ذلك الرقي في السلوك المجتمعي، والحرص على الاستفادة من المكتسبات السياسية، ونبذ صنّاع الفتنة والمروجين للفوضى والساعين لتعطيل حركة المجتمع أو تدمير مرافقه؛ أما النمط الثاني فقد غرق في مستنقع الفوضى، بفعل فساد ساسته الذين فقدوا الوعي، وتوهموا أنهم امتلكوا شعوبهم، وأن حركة الزمن عاجزة عن زحزحتهم من مواقعهم؛ بسبب استجابة قطاعات عريضة من شعوبهم لنداءات الفتنة، وعدم تقبل الآخر، والتسلح بالتطرف بدلاً من التسامح، والتنوع المجتمعي، وانعدام إدراك أن الاختلاف في العرق أو الدين أو الرأي لا ينال من حقوق المواطنة، وعدم التزام البعض بالدستور ولا بالقانون، لتقودهم أطماعهم السلطوية لخلخلة الدولة؛ بل وإسقاطها. 
 أكثر من عقد مر على سقوط بعض دولنا العربية في صراعات وفوضى مدمرة، بفعل فوضى «الربيع العربي»، ومرت سنوات وسنوات من دون أن تطلع عليها شمس الاستقرار، وانتقلت من عام إلى عام، وهي غارقة في ظلام الفتنة والصراعات المسلحة والقتل المجاني، وتسيّد الفساد والفاسدين، وعلى مدار العقد الماضي كانت شعوب هذه الدول وشعوب الدول العربية الأخرى، تحلم مع بداية كل عام أن يكون عام الخلاص، والانتقال من زمن الفوضى إلى زمن الاستقرار، ولكنه الحلم الذي لم يتحقق، ومع بداية 2022 تجدد الحلم والتمني بأن يكون هو عام الأمل.
 من ينظر إلى الخريطة العربية، سيجد أن الوضع على ما هو عليه منذ سنوات، ولم يغير الانتقال الزمني فيها شيئاً؛ بل إن بعضها ازداد سوءاً، فمنذ 18 عاماً والعراق يعاني عواقب احتلال غاشم، أسقط الدولة وفكك الجيش والقوات الأمنية، وتركها مرتعاً للإرهاب والميليشيات المسلحة التي تديرها قوى إقليمية لا تريد عودة عراق الحضارة والتاريخ، وليبيا منذ 11 عاماً وهي تعاني الانقسام المناطقي، وصراع جماعات الإرهاب وأصحاب المصالح من الداخل والخارج، واليمن ما زال يعيش في الخريف الحوثي الذي لا يريد لشعبه استقراراً ولا أماناً، وسوريا لا زالت مطمعاً للمحيطين والإرهابيين الذين لا يهتز لهم جفن، بعد أن دمروا مدنها، وشتتوا شعبها، والسودان خرج من حفرة الحكم «الإخواني» ليقع في أتون الصراع على السلطة بين المدنيين والعسكريين، ولبنان الذي تحكمه حكومة عاجزة وجماعات طائفية لا تقبل للبلد سوى السقوط الكامل لمصلحة قوى خارجية، وتونس التي استبشرنا خيراً بخروجها من الخريف العربي سالمة، ولكنها سرعان ما تهاوت سلطاتها، بعد أن تحكمت في قرارتها الجماعة الإرهابية. 
 الدولة الوحيدة التي نجت من مؤامرة الخريف العربي؛ هي مصر، بعد أن نفضت عن نفسها غبار الوهم، وساعدها جيشها الوطني في تجاوز الأيام السود، لتختار القيادة التي تعبر بها إلى بر الأمان، وتنطلق إلى آفاق المستقبل لتتجاوز كثيراً، تنميةً وبناءً ما كانت عليه قبل 2011؛ وذلك بفضل اصطفاف شعبها خلف قيادته، وإدراكه أن ما حدث قبل 11 عاماً لا ينبغي أن يتكرر. 
 الغد الأفضل للشعوب ونهضة الدول واستقرارها لا تحققه الأحلام ولا الأمنيات؛ بل تحققه القيادة الرشيدة والوعي الشعبي، والاصطفاف في مواجهة محاولات الهدم والتخريب.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"