لغة استثنائية لوطن الابتكار

00:10 صباحا
قراءة 3 دقائق

عبدالله السويجي

قديماً قيل «لكل مقام مقال»، أي لكل مكان وزمان لغة خاصة، واللغة حاملة الثقافة ووعاء الحضارة وناقلة المعارف، والجسر الذي يربط بين المراحل التاريخية والأزمان. وكان من الطبيعي أن تختلف اللغة على مر العصور، فاللغة العربية التي سادت في العصر الجاهلي غير اللغة التي سادت في العصر الإسلامي وغير اللغة التي تسود في القرن الواحد والعشرين. 

والاختلاف بين المفردات والعبارات وحتى التراكيب اللغوية يعود إلى الاختلاف بين البيئات، فلغة البداوة غير لغة الحضر، ولغة الصحراء غير لغة البساتين، ولغة الفلاح تختلف عن لغة الراعي أو صاحب المهنة أو الصناعي. وبناء على ذلك تختلف لغة الوصف باختلاف المرحلة، فلكل زمان مفرداته ومصطلحاته وأحياناً لكنته، كما أن لكل زمان موسيقاه وألحانه وإيقاعه.

 والكاتب أو المشتغل باللغة، يجب أن يواكب التغيير إن لم نقل التطور، وجميعنا يعلم كيف تحولت لغتنا العربية في عصر ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصال، حتى أن البعض اخترع لغة (الشات) الإلكترونية من دون اعتراض الجهات الرسمية، وإن اعترضت الجهات المعنية فإنها تفعل ذلك على استحياء، لعلمها أنها غير قادرة على التصدي ل (الفوضى) التي خلقتها وسائل التواصل الاجتماعي.

 وقبل أن أذهب بعيداً في النحت في تحوّر اللغة وتحوّلها، سأدخل مباشرة في موضوعي الذي ألحّ عليه في كل مناسبة. فقد تطورت دولتنا الحبيبة تطوراً مدهشاً خلال الخمسين سنة الماضية. انتقل التعليم من الكتاتيب إلى الجامعات، من محو الأمية الأبجدية إلى لغة الفضاء والتقنيات والبرمجيات، ومن الجامعات التقليدية إلى الكليات التقنية أو كليات المجتمع، ثم إلى الجامعات الإلكترونية، حيث يتم التعليم عن بعد، وتطوّر التطبيب والعلاج من الحجامة إلى استخدام الذكاء الاصطناعي في العلاج والعمليات.

 وعلى الصعيد الثقافي، انتقلنا من مجلات الحائط إلى الصحف الإلكترونية والمدونات الخاصة. ويمكن القياس على ذلك في الميادين كافة. والسؤال الواجب طرحه بعد هذا التقديم: هل تطورت لغتنا في التعامل مع الإنجازات الجوهرية التي تحققت على أرض الإمارات؟ وهل تغيرت المقاربات التي نستخدمها لوصف إنجاز ضخم كوحدة الإمارات، وبلوغ الاتحاد الخمسين من عمره؟ ولنلج عالم الأدب أكثر، هل غيّر الشعراء، على سبيل المثال، من مفرداتهم وعباراتهم في وصف المشهد الوطني والقيادي والشعبي. والسؤال يشمل شعراء الفصحى والعامية. 

 أما إذا عدنا للقصص القصيرة، وهي نوع أدبي تراجع في الفترة الأخيرة، بعد أن ازدهر في الثمانينات والتسعينات، هل أدخل كتاب القصة موضوعات جديدة على قصصهم أم أنهم لا يزالون يكتبون عن مرحلة الغوص والشخوص القديمة؟ أما إذا استعرضنا اللغة الصحفية، سنتوقف كثيراً عند عدم تجددها ومواكبتها للتطور والتقدم، إن كانت على صعيد المفردة والعبارة والعنوان، أو على صعيد التناول الفكري الاستشرافي والإبداعي.

 لقد دخلنا الخمسين الثانية من عمر اتحادنا ونهضتنا، أي أصبحنا في عمق المستقبل، ووضع القادة خططاً استراتيجية للوصول إلى العام 2070 بهمّة أقوى ورؤى أكثر تطوراً وابتكاراً، ويُفترض أن يضع المثقفون رؤى تليق بالزمن القادم، وأن يستخدم الإعلاميون روحاً جديدة في التعاطي مع الحلم المقبل، وأن يسطر المبدعون لغة حديثة فيها عناصر الخمسين القادمة، وأن يُعملوا خيالهم في نصوصهم الإبداعية، وأن يقدم الفنانون التشكيليون لوحات تليق بهذا الزمن الجميل، وأن يغامر الجميع لوناً وحرفاً لتقديم وصف استثنائي لوطن استثنائي، فهذا زمن الحداثة الحقيقي في المكان الحداثي الحقيقي، ولا بد أن تظهر الدهشة في كل النتاجات، وأن يتم تفجير اللغة من داخلها لوصف روح الإمارات المتجددة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"