رد روسيا على طلب التعويضات الأوروبية

21:09 مساء
قراءة 3 دقائق

د. محمد الصياد *

كيف كان الرد الروسي على الدعوى التي أودعتها المفوضية الأوروبية لدى جهاز فض المنازعات في منظمة التجارة العالمية، ضد روسيا في 20 ديسمبر 2021، مطالبة إياها بدفع تعويضات بقيمة 290 مليار يورو، نظير ما قالت إنها سياسة إحلال الواردات Import substitution التي اتبعتها روسيا وألحقت خسائر بالمصنعين الأوروبيين؟

جاء الرد الروسي شبه الرسمي، غريباً بعض الشيء، أو لنقل أضعف مما كان متوقعاً. وقد يُعزى ذلك إلى فارق الخبرة بين الطرفين المتقاضيين. فروسيا لم تتحرك للانضمام لمنظمة التجارة العالمية ولم تُقبل عضويتها في المنظمة إلا بعد مرور 17 عاماً على تأسيس المنظمة في 1 يناير 1995، حيث حصلت على عضويتها في المنظمة في 22 أغسطس 2012. فقد حاول الجانب الروسي، قبل رفع الدعوى، توضيح الأمر للأوروبيين وشرح سلامة موقفه، لكن من دون جدوى، فيما ذهبت الخدمة الصحفية لوزارة الاقتصاد الروسية في 26 ديسمبر 2021، إلى أن الاتحاد الأوروبي قد خفض مطالبته من التعويضات، إلى طلب إلغاء أو تعديل الإجراءات الروسية التي يعتبرها مخالفة لقواعد منظمة التجارة العالمية، إلا أن روسيا اختارت أولاً، على ما هو ظاهر، مقاربة التهوين من موضوع الدعوى، والمساكنة، وتالياً محاولة شرح سلامة موقفها، بالدفع بأن إجراءاتها تمتثل امتثالاً كاملاً لالتزاماتها داخل منظمة التجارة العالمية، في استسهال غير مفهوم لجدية الدعوى المقامة بحقها.

ولعل العالِم بشؤون منظمة التجارة العالمية وطريقة عمل أجهزتها في جنيف، ربما رجّح وقوع روسيا في مأزق تفاوضي ممض وطويل لا تحمد عواقبه، إذا لم تُحسن تكييف دعوتها منذ البداية (لأن تغيير خط سير الدعوى، استدراكاً، خلال منتصف مسار التقاضي، سواء من جانب المدعي أو المدعى عليه، ليس في صالحهما). هذا سيحدث فقط في حال سارت روسيا في مسار التقاضي الذي استدرجتها إليه المفوضية الأوروبية في دعواها، بتركيز مرافعتها على وجه الخرق الذي استندت إليه المفوضية في دعواها، وهو المتعلق بعدم التزام روسيا بمبدأ «حظوة الدولة بأفضل المعاملات» (Most Favored Nation – MFN)، من دون الاعتراض منذ البداية على الدعوى شكلاً ومضموناً.

في الشكل، فإن الموضوع يتعلق أصلاً بالمشتريات الحكومية Government procurement، والمشتريات الحكومية مستثناة من اتفاقيات التجارة المتعددة الأطراف لمنظمة التجارة العالمية. وقد خُصص له  لعدم التوافق  اتفاق خاص تنضم إليه من تشاء من الدول الأعضاء، وغير ملزم لبقية الدول الأعضاء. وفي الوقت الحاضر تضم اتفاقية المشتريات الحكومية 48 دولة عضواً في المنظمة، و35 عضواً مراقباً.

وفي الموضوع، فإن القضية الجوهرية الجديرة بالإثارة والطرح، هي حزم العقوبات الأحادية الجانب التي يفرضها الاتحاد الأوروبي على روسيا تباعاً، ومن دون اكتراث لا للأمم المتحدة ولا حتى لمنظمة التجارة العالمية وقواعدها، وعلى رأسها قاعدتها الأساسية التي لا تجيز للدولة العضو اتخاذ أي إجراء من شأنه الإضرار بشركائها التجاريين الدوليين. فكما ذهب أحد التعليقات في الميديا الروسية عن حق، لكن بصورة تنقصها المهنية والجدية، بأن الاتحاد الأوروبي هو من دفع روسيا إلى إنتاج ما حرمتها منه العقوبات الأوروبية، فضلاً عن الخطاب العدائي الذي دفع موسكو للبحث عن طرق للبقاء على قيد الحياة في الظروف الجديدة، في حين ذهب بعضها الآخر إلى السخرية من منظمة التجارة العالمية، اعتباراً بالحالة السيئة التي أضحت عليها اليوم، حيث لم تعد قواعدها تطبق، وإنما يقوم كل بلد بتكييف سياسته الاقتصادية مع احتياجاته الاجتماعية والسياسية الخاصة. لذلك، فإن منظمة التجارة العالمية مجرد شعار للتجارة الحرة التي لا وجود لها في الواقع. وبالتالي، تصبح مناقشة عواقب مطالب الاتحاد الأوروبي من روسيا، ضرباً من الكوميديا، كما يقولون؛ بل إن بعضهم اعتبر أن منظمة التجارة العالمية ليست لها آفاق في العالم الحديث، تماماً مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، فهي الآن مجرد منظمات مساعدة. إذا تحدثنا عن الوضع الجيوسياسي في العالم، فإن مثلث واشنطن وموسكو وبكين هو الذي يعمل، وكل ما عداه ثانوي.

لكن ماذا عن العقوبات الاقتصادية التي التهمت جزءاً كبيراً من جهود التحرير التجاري (Trade liberalization) العالمي، التي بذلها العالم على مدار 74 سنة، منذ إطلاق الاتفاقية العامة للتعرفة الجمركية والتجارة (GATT) في عام 1947، عبر 9 جولات ماراثونية من المفاوضات؟

* كاتب بحريني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"