الشباب العربي يقرأ

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

قبل نحو عامين أو ثلاثة تحدثت فتاة عربية عن انضمامها، ربما بمحض المصادفة، إلى مجموعة شبابية على المواقع الافتراضية، يعنى أفرادها بالقراءة، تضمّ اليوم أكثر من 54 ألف متابع من محبي القراءة، وكان هذا العدد الكبير من المتابعين مثار دهشتها، رغم أنه يبدو قليلاً بالنسبة لمجموعة عن الطعام أو التجميل أو الملابس، لكنه غير متوقع بالنسبة لمجموعة عن الكتب والقراءة.
وأذكر أن أحد المواقع الإلكترونية أشار إلى هذه المعلومة في سياق تقرير موسع يتناول علاقة الشباب العربي بالقراءة، وسط انطباع عام عن وجود عزوف عنها، خاصة مع سطوة وسائل التواصل الاجتماعي، وما هو جدير بالعناية أن الشغوفين بالقراءة من الشباب ينجحون، في الكثير من الحالات، في تحويل وسائل ووسائط العالم الافتراضي نفسه إلى أدوات للقراءة والمعرفة، على نحو ما يشير أمر هذه المجموعة القرائية.
يسود الانطباع العام عن ميل الشباب خاصة إلى قراءة الروايات بالذات، من بين أنواع الكتب المختلفة، ولهذا الانطباع مبرراته بالطبع، في مناخ ينتعش فيه جنس الرواية بين أجناس الكتابة الأخرى، وشهدنا، بالفعل، في السنوات الأخيرة صدور عدد من الروايات المتميزة في مختلف بلدان العالم العربي بما فيها دول الخليج، وبعضها لكتّاب وكاتبات شبان، وكان لنا أكثر من وقفة هنا إزاء بعضها، ولكن ليس كل ما يوصف ب«الرواية» جدير بأن يُقرأ، فالكثير منها أبعد ما يكون عن شروط الكتابة الروائية، تقانة وحبكة وموضوعاً.
لكن ليس صحيحاً ترويج مقولة إن الشباب العرب لا يقرأون إلا الروايات، وفي حدود متابعاتي المتواضعة فإني ألمس شغفاً غير قليل لدى الشباب أيضاً بقراءة الأعمال الفكرية والنقدية، وفي مجالات كالتاريخ والفلسفة وعلم الاجتماع وما إليها من حقول، بل إن اختيارات الكثير منهم لما يقرأون تنحو نحو اختيار الكتب الداخلة في الحيز التنويري، سواء كانت هذه الكتب مؤلفة بلغتهم العربية الأم أو مترجمة إليها من لغات أخرى، أو حتى قراءتها بلغاتها الأصلية، الإنجليزية منها بشكل خاص.
ينبغي ألا يكون مدهشاً أيضاً حين نلتقي بشباب يأسرهم الشعر، في زمن يكثر البعض فيه من ترداد المقولة الفجة عن «موت الشعر» بشكل ببغائي، لأنهم قرأوها لكاتب غربي. شابة سعودية مشاركة في تنظيم فعالية كبرى عن القراءة في بلادها أقيمت في مركز «إثراء»، حين سألتها عن ماذا تفضل أن تقرأ أجابت بدون تردد: الشعر، وأشارت بإصبعها إلى أبيات مدوّنة على يافطة في القاعة من اختيارها هي، للشاعر السعودي جاسم الصحيح تقول: «أحتاج القصيدة كي أطيّب بعض أوجاع الحقيقة/ تحت تخدير المزاج/ لعليّ يوماً أطيق من الأسى ما لا أطيق».
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"