التزييف القاتل

00:26 صباحا
قراءة دقيقتين

لفت حادث الانتحار الفاجع الذي أنهت به الفتاة المصرية بسنت خالد حياتها، بعد تعرضها لابتزاز إلكتروني بنشر صور مفبركة لها، إلى ظاهرة خطرة آخذة في الانتشار على الفضاء الإلكتروني باستخدام تقنيات هذا الفضاء لفبركة «فيديوهات» وصور تستخدم لأغراض شتى، بينها ابتزاز من يختارهم الجناة أهدافاً لهم، لنيل ما يريد هؤلاء الجناة من ضحاياهم، كما حدث مع الفتاة المنتحرة، أو حتى لحملهم على دفع أموال، وإلا فإنهم سيتولون التشهير بهم وتلطيخ سمعتهم من خلال تلك المواد المفبركة عبر تركيب صور أو فيديوهات ثم نشرها على مواقع التواصل لتصبح مواد متداولة.
موجعة كانت رسالة الفتاة المنتحرة إلى والدتها قبيل انتحارها، التي أقسمت فيها أنها ليست الفتاة الظاهرة في الصور المفبركة، ومعبرة عما حلّ بها من اكتئاب، حدّ الشعور بالاختناق، ما حملها، في النهاية، على إنهاء حياتها. وهذه الفتاة البريئة ليست الوحيدة التي كانت ضحية تنمّر ذكوري، تتعدد صوره وأساليبه وأشكاله، فما أكثر النساء والفتيات اللواتي قُتلن أو عُذبن، او اخترن إنهاء حيواتهن، للخلاص مما أصبحن فيه من معاناة، ما حمل عدداً من النشطاء على الحديث عن ما وصفوه ب«حجم هوس المجتمعات الذكورية بجلد النساء وهيمنة ثقافة الكراهية والعنف ضدهن».
التنمّر في صورته الإلكترونية أنتج مصطلحاً متداولاً هو «التزييف العميق»، الذي يقصد به عملية جمع ملفات الصوت والفيديو بواسطة الذكاء الاصطناعي أو التعلم الآلي بشكل دقيق، وحسب موقع «دي. دبليو» فإن كافة مجالات «التزييف العميق» باتت ممكنة بداية من تبديل الوجوه، أي «استبدال وجه شخص بآخر أو تزامن تحريك الشفاه إذ يمكن ضبط فم المتحدث على ملف صوتي مختلف عن الصوت الأصلي أو استنساخ الصوت، حيث يتم استنساخ نسخة من الصوت من أجل استخدامها لقول أشياء أخرى». ومع أن هذا الموقع يتحدث عن إمكانية كشف هذا التلاعب الإلكتروني، مرئياً كان أو صوتياً، على الرغم من أن هذه التكنولوجيا يطرأ عليها التطوير والتحسين بشكل مستمر، لكن لا يبدو لنا أن الأمر بهذه السهولة للغالبية العظمى من الناس غير المختصة أو المتمكنة من أسرار التقانة الإلكترونية، فالمواد المفبركة، كما تظهر تجربة الفتاة بسنت خالد، يمكن أن تصدّق من قبل غالبية المتلقين، الذين ليس بوسعم تبين أنها مفبركة، ومن هنا تأتي أهمية أن يتخلى المتابعون لوسائل الاتصال الاجتماعي عن العادة المقيتة الرائجة بإعادة ترويج ما يصلهم من مواد دون التحقق من صحتها، ويتم ذلك في الكثير من الحالات لغايات غير سويّة في نفوسهم، وفي النتيجة فإنهم يصبحون شركاء في هذا التزييف الذي نفضل أن نسميه ب«القاتل».
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"